فكيف وأنت لي خلٌّ أنيسٌ ... ومن دون الورى أهْوَى كلامَهْ
ليالينا بكُم سبقتْ تُحاكِي ... ليالٍ قد تقضَّت في تِهامَهْ
تُدير النظمَ ممزوجاً بنثْرٍ ... فتُسكرنا ولا صِرْف المُدامَهْ
يمينُ اللِّصِ لا كانتْ وشَلَّتْ ... وعن قُربٍ يُرَى من غير هامَهْ
على خطْف العمامة قد تعدَّى ... ولكن سوف تُدركه النَّدامَهْ
ويأكل لحمَه عَضّاً ويبْكي ... إذا ما الصبحُ قد أبدى ابْتسامَهْ
على شيءٍ إذا مارام بَيْعاً ... فأعْلَى قيمةً منه القُلامَهْ
ويقرَعُ سِنَّه أسَفاً وغَبْناً ... وليس يُفيده قطعُ السُّلامَهْ
ويُدْمِي رأسَه قهراً قِصاصاً ... كما أدْماك لَطْماً في الدِّعامَهْ
كرَامٍ رامَ أن يَرْمِي ظَلِيماً ... فطاش السهمُ لم يبلُغْ مَرامَهْ
وكان غلامُه بالقُرْب منه ... فأرْماه ولم يُصب النَّعامَهْ
فلا تأْسفْ على نسجٍ ضعيفٍ ... كبيْت العنكبوت بلا إقامَهْ
وحقِّك ليس تنفعُه بشيءٍ ... كما في الصيفِ لم تُجْدِ الغَمامَهْ
لقد طالت بحال النَّسْرِ عُمْراً ... وقد شهدتْ هَوازِنَ واليمامَهْ
مُخَضْرَمةٌ فلو نطقتْ لقالتْ ... شهدتُ مُهَلْهِلاً وأبا قُدامَهْ
كذا الرَّفَّا السَّرِيُّ صحبتُ دهراً ... قدِمتُ عيله بعد أبي دُلاَمَهْ
وكان مع الحريريِّ اتحادِي ... ولو لم يَقْضِ ألَّف بي مَقامَهْ
[فصل في وصف عمامة]
عمامة ولعت بها أيدي الزمان، ورفعت عنها من التمزيق الأمان.
كفؤاد عروة في الرقة، لو أحصيت نفقة رفوها زادت على مال الرقة.
ولطول تردادها إلى الرفا لو أفلتت لعرفت مكانه، وما جهلت دكانه، ولأمكنت من قطع المسافة إمكانه.
فكأن الأيامَ إذْ أُلْبِستْها ... نُسِجتْ فوق شَخْصِها العنكبوتُ
وللحريري معمىً في اسم أحمد:
أفْدِي المليحَ الذي أوصافُه كمُلتْ ... كالظَّبْيِ لمَّا رنا والبدرِ حين بدَا
في القلب أنزلْتُه لي راق مَبْسمُه ... والغُصن لما تَثَنَّى قدُّه سجَدَا
وله في اسم يوسف:
ومَليحِ عزيزِ حُسْنٍ بمصرٍ ... قَدَّ قلبي وزاد حزني وأكْمَدْ
خَدُّه الشمسُ لاح والصدغُ بالخا ... لِ حَماهُ حُسامُ جَفْنٍ مُجرَّدْ
وله في اسم رمضان:
وبدرِ كمالٍ لاح في حُلَلِ البَهَا ... تبسَّم عن دُرٍّ نَظِيمٍ وعن شُهْدِ
كخاتِم دُرٍّ ثَغْرُه وبلحْظِه ... حمَى حُسنَه والخالُ في صفحة الخدِّ
وله في اسم عثمان:
قد قلتُ يوماً للرَّشا ... سِرْ بي إلى روضِ الأزاهِرْ
فأجاب إن كان الرقي ... بُ هناك طِيبُ العيش نادِرْ
وله في اسم مصطفى:
يا عاذِلي في أغَرِّ الوجه دعْ عَذَلِي ... لأجْلِه قد ألفتُ الوَجْدَ والحُرَقَا
كم دُرتُ مِحْرابَه ظامي الفؤادِ كذا ... دُرْ أنت يا عاذِلي واعْذُر فَتىً عشِقَا
وله في حيدر:
سقَى ليلةً زار الحبيبُ وعندما ... أقام وعن قلبي المَشُوقِ نَفى هَمَّهْ
لثمتُ مكانَ العِقْدِ من غير حاجبٍ ... وقلتُ لقلبي قد كفَاك بها نِعْمَهْ
عبد النافع بن عمر الحموي ألمعيٌ مشهود له بقوة إدراكه، وفيه قابلية لاختصاصه ببعض العلوم واشتراكه.
بلسان أحد من السيف إذا تجرد من القراب، وفكرٍ إذا أراد البحر أن يحكيه في غوره وقع في الاضطراب.
وله أدب كالروض تفتقت نسماته، وشعرٍ كالصبح تألقت قسماته.
لكنه نكب عن المطبع الجزل، وذهب مذهب الهجو والهزل.
إلا في النادر فربما جد، ثم أخلق منه ما استجد.
وكان دخل طرابلس، وبنو سيفا في الوجود، والأمير محمد بينهم كالفضل بين البرامكة في الفضل والجود.