وأنا الفِداءُ لمَن بناظرِهِ ... وأنا السّقامُ مُجاوِر الحَدِّ
طَوْعاً إذا ما رام سَفْك دَمِي ... لكنْ أخافُ يكون عن صَدِّ
صَنَمٌ لبِستُ الغَيَّ فيه فلا ... أدْرِي أغَيِّي ضَلَّ أم رَشَدِي
عَقَدَ النِّطاقَ وحَلَّ مُصْطَبَرِي ... فذهبتُ بين الحَلِّ والعَقْدِ
قد أشْرقَتْ من نُورِ طَلْعَتِه ... شمسُ الضحى في طالعِ السَّعْدِ
كُسِفتْ نجومُ الأُفْقِ حين بَدَا ... فنثَرْنَ خِيلاناً على الخَدِّ
جسدٌ يذُوبُ لَطافةً وله ... قلبٌ بدَا في قَسْوةِ الصَّلْدِ
أشكُو النُّحول لخَصْرِه غِلَظاً ... فيقول هذا كله عندِي
مِن أضْلُعِي نارُ الغَضَا سكنَتْ ... في المُنْحَنَى والدمعُ في نَجْدِ
لا تعجبِي يا سَلْمُ مِن حُرَقٍ ... أظْهَرْتُها خوفاً من البُعْدِ
فالعَنْدَلِيبُ ينُوح حين يرَى ... عدمَ الوفاءِ له من الوَرْدِ
شِيَمُ المَلِيحِ عَرفْتُها وأنا ... في كلِّ حالٍ ثابتُ العهدِ
مَن كان يأمُل أن يُزهِّدَني ... فيه فإنِّي زاهدُ الزُّهْدِ
إنِّي شُغِفْتُ به كما شُغِفَتْ ... بصفاتِ أحمدَ ألْسُنُ الحَمْدِ
نَدْبٌ حوَى الفضلَ التَّمامَ وقد ... بلغَ العُلَى مُذ كان في المَهْدِ
فَرْدُ الزمانِ فإن نظَرْتَ تَجِدْ ... كلَّ الفضائلِ منه في فَرْدِ
إن عُدَّ فخرٌ كان أوَّلَ مَن ... عُقِجتْ عليه العَشْرُ في العَدِّ
عَذْبُ الفكاهةِ في بَداهَتِه ... كَلِمٌ غدَتْ قطعاً من القَنْدِ
وله بَنانٌ كلَّما كَتبتْ ... نظَمتْ دَرارِي الشُّهْبِ في عِقْدِ
مِن كل سَطْرٍ كالعِذارِ إذا ... ما لاح فوق عَوارِضِ المُرْدِ
لو عاينَ النَّظَّامُ أحْرُفَه ... لَدرَى وجودَ الجوهرِ الفَرْدِ
مولايَ أنت أجَلُّ مَن نطقَتْ ... فيه المدائحُ من ذَوِي المَجْدِ
خُذْها إليك كريمةً بلغتْ ... في الوصفِ أقْصَى غايةِ الجُهْدِ
واعْذِرْ قُصورِي في المديح فما ... تُحْصَى رمالُ الأرضِ بالعَدِّ
لا زلْتَ في عِزٍ وفي دَعَةٍ ... فبَقاكَ فينا غايةُ القَصْدِ
وأنشدني أشعاراً كثيرة، منها هذه القصيدة، قال: كتب بها إلى علي بن أحمد ابن أبي الرجال:
متى منك طِيبُ الوصلِ يدنُو ويقْرُبُ ... ويسهُل من لُقْياك ما كان يصْعُبُ
وترحمُ صَبّاً صَبَّ صَبّاً دُموعَه ... لفَرْطِ الهوى من مَدْمَعٍ ليس ينضُبُ
وما دمعُه الجارِي سوى قلبِه الذي ... بجَمْرِ الهوى قد ذاب وهْو المُذَبْذَبُ
رُوَيْدكَ قد عذَّبتَ بالبَيْنِ مُهْجتِي ... وليس عَذابي لو ترفَّقْتَ يعْذُبُ
بلِينِ قَوامٍ منك لِنْ لِمُتيَّمٍ ... فؤاداً وراقِبْ من لَطيْفِك يرقبُ
وبالجِيدِ جُدْ بالوصلِ يا رِيمَ رَامةٍ ... فقد جَدَّ بي وَجْدٌ من النَّأْيِ مُتْعِبُ
وباللَّحْظِ إلا ما تُرَى لي مُلاحِظاً ... وترحمُ قلباً في هَواكَ يُقلَّبُ
ألا إنَّ فَنَّ الحبِّ فَنٌّ رَضِيتُه ... وقد صَحَّ لي فيه اعْتقادٌ ومَذْهَبُ
وما كلُّ مَن يصْبُو مُصابٌ بدِينِه ... ولا كُلُّ مَن قال التَّغَزُّلَ يُثْلَبُ
ولا كلُّ مَن يُنْشِي القَرِيضَ بشاعرٍ ... ولا كلُّ شِعْرٍ قيل شِعْرٌ مُهذَّبُ
إذا لم يَحُزْ مَدْحاً لأحمدٍ الذي ... به المَثَلُ المشْهورُ في الناس يُضْرَبُ
فتىً طاب إكْراماً وفَضْلاً وسْؤْدداً ... كما طاب في بَذْلِ النَّوالِ له أَبُ
فأجبته بقولي:
هو الدهرُ لا ما قيل في الكذبِ أشْعَبُ ... يُمَنِّيك بالإسْعادِ حِيناً ويكذِبُ