سأركب من شوس القوافي شِمِلَّةً ... تسير في النعماء حيث تسيرُ
أقامت بسفح الصَّالحيَّة برهةً ... وحشو حشاها لوعةٌ وزفيرُ
بها من هواء الغوطتين نسيمةٌ ... ومن عذب ماء النَّيربين غديرُ
إذا هبطت من ربع جِلِّقَ منزلاً ... وقد نام حادٍ واستقال مثيرُ
أمرنا بها طوع القياد توجهت ... ركائبها وهو المراد تزورُ
تزور فتًى من آل منجك ماجداً ... على كل من يدعى الأمير أميرُ
وقوله من أخرى، مبتدؤها:
تذكَّر من أكناف رامة مربعاً ... ومغنًى به غصن الشبيبة أينعا
فبات على جمر الغضا يستفزُّه ... غرامٌ فيذري الدمع أربعَ أربعا
كئيباً لليلات الغميم متيَّماً ... معنًّى بأيام الحجون مولَّعا
يخالف بين الراحتين على الحشا ... ويلوي على القلب الضُّلوع توجُّعا
فمن صبواتٍ تستفزُّ فؤاده ... ومن زفراتٍ أضرمت فيه أضلعا
ألا في سبيل الحبِّ مهجة عاشقٍ ... تولَّع فيه الحبُّ حتى تولعا
وعينٌ أبت بعد الأحبة سَحَّها ... وفاءً بحقِّ الربع أن تتقشَّعا
سقى الله من وادي منًى كل ليلةٍ ... هي العمر كانت والشباب المودَّعا
ويا جادَ أياماً بها قد تَصرَّمت ... ثلاثاً ومن لي أن أراهنَّ أربعا
وحيَّى مقامي بالمقام وأربعاً ... لدى عرفاتٍ يا سقاهنَّ أربُعا
فلله ما أبهى بمكَّة مشعراً ... ولله ما أحلى لزمزم مشرعا
ألا ورعى دهراً تقضَّى بجلِّقٍ ... ولولا الهوى ما قلت يوماً لها رعى
ويا عاقب الله الغرام بمثله ... لكي يعذر العشاق فيمن تولَّعا
خليليَّ مالي كلما لاح بارقٌ ... تكاد حصاة القلب أن تتصدَّعا
وإن نسمت من قاسيون رويحةٌ ... أجد أدمعاً مني تساجل أدمعا
وحتَّى مَ قلبي يستطيع إذا شدا ... حمام اللِّوى بالرَّقمتين ورجَّعا
وكم ذا أقاسي سورة البين والأسى ... ولا يرحم العذَّال منِّي توجُّعا
ألا هكذا فعل الغرام بأهله ... ومن بات في صنع الهوى ما تصنَّعا
عذيرِيَ من هذا الزمان وأهله ... ومن لي بمن يصغي لشكواي مسمعا
يخوِّفني منه العدوُّ قطيعةً ... ويظهر لي منه الصديق تفجُّعا
ولم يدر أني للقضاء مفوِّضٌ ... وما كان قلبي للقضاء ليجزعا
وقوله من أخرى، راجع بها أحمد بن شاهين:
حيَّتكِ يا دار الهوى بالأبرقِ ... وطفاء من نوء السِّماك المغدقِ
وغدت تفتِّق في نواحيك الصَّبا ... أرجاً يغصُّ رُباكِ مهما يعبقِ
وتكفَّلت أيدي الرَّبيع بمطرَفٍ ... لتراك تخلعه وبردٍ مونقِ
حتى ترى منك المغاني جنةً ... من سندسٍ تزهي ومن إستبرقِ
كم لذَّةٍ في جبهتيك خلسَتُها ... وهناً وعين الدهر لمَّا ترمقِ
واهاً لها إن كان فرطُ تأوُّهي ... يجدي على شحط النَّوى وتحرُّقي
لله أيامي بجوِّ سويقةٍ ... سلفت بمصطبحٍ ولذَّةِ مغبقِ
أيام ريحان الشَّبيبة باسقٌ ... يندي وماء هواي غير مرنَّقِ
في حيث ظلُّ اللهو ضافٍ والنَّقا ... مهوًى لجارحةٍ وقلبٍ شيِّقِ
إذ منتداه مراد كل خريدةٍ ... بسوى خيالات الهوى لم تعلقِِ
رودٌ يرنحها الغرام فتنثني ... سكرى كخوط نقاً تأود مورقِ
كم ليلةٍ بتنا بأكناف اللوى ... نلهو بذات الحجل ذات القرطقِ
بتنا على الوادي يراودنا الهوى ... طوعاً وغير الطرف لمَّا يفسقِ