وكأنَّ مرمى كلِّ موقع جمرةٍ ... في القلب والأحشاء منِّي موقدُ
لله أيامي بجرعاء الحمى ... والدهر مصقول الحواشي أملدُ
أيام ظلُّ الدهر غير مقلَّصٍ ... عنِّي وعيشي طاب فيه الموردُ
في حيث ريحان الشَّبيبة باسقٌ ... والخيف مغنًى للحسان وموعدُ
إذ منتداه مراد كلِّ خريدةٍ ... يصبو إليها الخاشعون العبَّدُ
مرَّت كسقط الزَّند أعقب جمرةً ... في القلب يذكيها الغرام ويوقدُ
مالي إذا برقٌ تألَّق بالحمى ... أودى بمهجتي المقيم المقعدُ
وإذا نسمت رويحةً من طيبةٍ ... جعلت زفيري بالحشا يتوقدُ
وإذا نسيم الروض هبَّ تبادرت ... وفق الصبابة أدمعٌ تتردَّدُ
ومتى ظفرت من الزمان بناصرٍ ... أخذت تفنِّده عليَّ الحسَّدُ
وقوله من أخرى، أولها:
سقى أثَلاثٍ بالعذيب نمير ... له من أفاويق الغمام سميرُ
سحابٌ تزجيه الرياح وراءه ... نسيمٌ له المسك الفتيق عبيرُ
ولا برحت تسدي يد القطر فوقها ... من النور موشيَّ السَّدى وتنيرُ
وخلنا دراري الأفق فيه تساقطت ... وآن لها أن النجوم تغورُ
عهدنا بها غصن الشَّبيبة باسقاً ... يرفُّ رفيف البان وهو نضيرُ
كأنَّ أزاهير الشَّقيق بدوحها ... خدودٌ ونور الأقحوان ثغورُ
كأنَّ نديَّ النرجس الغضِّ فوقها ... عيون الغواني مسَّهنَّ فتورُ
كأن غصون البان تندى غضارةً ... معاطف غيدٍ حشوهنَّ خمورُ
سقتها دموعي بل سقاها على البلى ... ملِثٌّ من الأنواء وهو غزيرُ
فآه لها كم لذةٍ تحت ظلِّها ... نعمنا بها حيث الكؤوس تدورُ
ولهفي على عيشٍ بجوِّ سُويقةٍ ... تولي وعيش الغانيات قصيرُ
وواهاً لأيامٍ بشرقيِّ ضارجٍ ... تقضَّت عشايا تحتها وبكورُ
فمرَّت ولم تعقب سوى جمرة الأسى ... يشبُّ لها تحت الضلوع سعيرُ
خليليَّ مالي إن تألق بارقٌ ... يكاد فؤادي كالشَّرار يطيرُ
وإن خطرت من سفح نجدٍ نسيمةٌ ... فلي أنَّةٌ تحت الدُّجى وزفيرُ
وإن ذكرت أيام رامة أنثني ... وفي القلب من فرط الغرام هجيرُ
ألا يا نسيم الريح من بطن لعلعٍ ... تحدَّث فقلبي بالغرام أسيرُ
ويا برق نجدٍ هات عن أيمن الحمى ... حديثاً ففي بثِّ الغرام سرورُ
هل الجيرة الغادون من جنبِ حاجرٍ ... أناخوا لوى الجرعاء وهو مطيرُ
وهل أثلاث الجِزع يندى ظلالها ... وأرض الحمى فيْنانُ وهو مطيرُ
وهل هاجعات البان نبَّه خوطها ... هبوب نسيمٍ هبَّ وهو عطيرُ
وهل درست من بطن فجٍّ مسارحٌ ... ومحَّت جنوبٌ رسمها ودبورُ
فما بنت غصنٍ فوق أفنان إلفها ... وإلفي خليطٌ منجدٌ ومغيرُ
تراها إذا وُرق العشايا ترنَّمت ... تهيِّج من داء الهوى وتثيرُ
تذكِّرني وهناً أفانين سجعها ... ليالي زرودٍ والمحبُّ ذكورُ
بأبرح مني أن تقول بثينةٌ ... لقد ضربت لي بالعقيق خدورُ
عذيريَ في هذا الهوى من مؤَنِّبٍ ... وهيهات في هذا الغرام عذيرُ
يلوم فؤادي في هواه أما درى ... بأن فؤاد العاشقين صبورُ
يقول عجيبٌ منك أنت مجرِّبٌ ... فكيف وأني يعتريك غرورُ
فقلت له خفِّض عَدَتكَ صبابتي ... فكلُّ معنًّى يهتدي ويثورُ