وكواكب الجوزاء ترنو حسرةً ... لنظام مجلسنا بطرفٍ محدقِ
والبدر في أفق السماء كزورقٍ ... صافي الُّلجين على رداءٍ أزرقِ
وكأنما نجم الثُّريا إذ بدا ... كفُّ الخريدة ضمَّ لم يتفرقِ
بانت وما بدَلت النَّوى ... ونأت وما حلَّت عقود تفرقي
يا ميُّ حتى مَ الدموع تشي بنا ... وإلى مَ في مضناك لم تترفَّقي
يا ميُّ أنفقت الغرام على النوى ... إلا هواك ذخرت لما أنفقِ
ما آن أن تتذكرين عهودنا ... وليالياً سلفت بجو الأبرقِ
ما آن أن ترعى عشيَّات الحمى ... ومواسماً مرت بغوطة جلِّقِ
الله يا لمياء في قلب امرئٍ ... لم يألُ ما عنَّ ادِّكارك يخفقِ
الله يا هيفاء في ذي عبرةٍ ... طفقت متى في الفكر خلتِ ترقرقِ
هذا أما وهواك وهو أليَّتي ... بأعزَّ من قسمٍ وأكرم موثقِ
لم تستمل طرفي رعابيب الحمى ... كلا ولا أبصر سواك فأعشقِ
ناجزت كل أخي غرامٍ فارعوى ... أهل الهوى عنِّي ولست بمملقِ
وكتمت سرَّ هواك وهو ذخيرتي ... عند اللقاء وربما أن نلتقي
يا ربع جلِّقَ لا أغِبَّك عارضٌ ... يهمي عليك بكل أسحم مبرقِ
وسرت تصافح من مغانيك الصبا ... ملمومةً فيها هواي ومعشقي
فيها مسامرتي ومعظم صبوتي ... فيها معاقرتي وفرط تشوُّقي
وله يصف وادي التل: أحد متنزهات دمشق، البلدة التي صورت بها الجنان، وأضحى وقفاً على القلب والجنان. وهو وادٍ مربع النبات، ومسرحٌ مخضر الجنبات.
زهرةٌ وأختها، وشجرةٌ وبنتها. وجرية ماءٍ ورنة صادح، ونشاط واصفٍ وروحة مادح.
إلى رياضٍ كبرود الخمصانة الرود، وحياضٍ كورود الثغر البرود.
وكان مضى له به عهدٌ فارقه وهو عليه واجد، مع فتية صدقٍ هم والحظ المرافق شيءٌ واحد.
أقمنا بوادي التل نستجلب البسطا ... بحيث دنا منا السرور وما شطَّا
وجئنا لروضٍ فتَّقت نسماته ... روائح يبعثن الألوَّة والقسطا
وقد ضربت أفنان أغصانه لنا ... ستائر إذ مدت خمائله بسْطا
يباري به الورق الهزار كراهبٍ ... يحاكي بعبرانيِّ ألفاظه القبطا
ويعطف ما بين الغصون نسيمه ... كما اجتمع الإلفان من بعد ما شطَّا
وتملي أحاديث الغرام لحوظُها ... فترويه لكن ربما نسيت شرطا
جلسنا على الرَّضراض فيه هنيئةً ... وقد نظمت كالدُّرِّ حصباؤُّه سمطا
به من لجين الماء ينساب جدولٌ ... تجعِّده أيدي النسيم إذا انحطَّا
حكى مستقيم الخطِّ عند انسيابه ... فنقَّط منه الوجه زهر الرُّبى نقطا
سقى الله دهراً مرَّ في ظله لقد ... أصاب بما أولى وإن طال ما أخطا
وحيَّ على رغم النَّوى كل ليلةٍ ... تقضَّت به لا بالغوَير وذي الأرطا
ليالي لا ريحانة العمر صوَّحت ... ولا وجدت في أرضها الجدب والقحطا
صحبت بها مثل الكواكب فتيةً ... أحاديثهم في مسمعي لم تزل قرطا
يفضُّون مختوم الصبابة والهوى ... ويرعون حب القلب لا البان والخمطا
إذا نثروا من جوهر اللفظ لؤلؤاً ... أودُّ ولو بالسَّمع ألقطه لقطا
يديرون من كأس الحديث سلافةً ... وربَّما تحكي الأحاديث إسفنطا
ومن نتفه قوله:
يا من هواه بقلبي ليس يبرح من ... بين الترائب ترب الشوق والأسفِ
أليَّةً بليالينا التي سلفت ... وبالغرام وإن أدَّى إلى تلفي
وبالدموع التي أجريتها غدراً ... ومدمعٍ فيك لم يطعم كرى ذرفِ
لأنت أنت على ما فيك حبُّك في ... جوانحي كامنٌ كالدرِّ في الصدفِ