ابْنُ فَرْحُونٍ: وَالتَّعْلِيلَانِ ضَعِيفَانِ (أَمَّا الثَّانِي) فَلِأَنَّ الْإِجَالَةَ مَطْلُوبَةٌ لِتَحْصِيلِ الدَّلْكِ لَا لِوُصُولِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مَسْحٌ وَالْأَصْلُ الْغَسْلُ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْخُفِّ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا يُقَاسَ عَلَيْهَا، وَعَلَى صِحَّتِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَلْبَسَهُ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِكَوْنِ لُبْسِهِ مَطْلُوبًا وَلِيَسَارَةِ مَحَلِّهِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقْوِيَةٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَكَذَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ تَجِبُ إجَالَتُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ تَعْمِيمَ الْيَدِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِبَاحَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ الظَّاهِرُ وَقِيلَ: تَجِبُ إجَالَةُ الضَّيِّقِ دُونَ الْوَاسِعِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْزِعُهُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَهُوَ يَحْتَمِلُ النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ إنْ أَرَادَ النَّدْبَ فَلَهُ وَجْهٌ لِتَيَقُّنِ حُصُولِ الدَّلْكِ وَإِنْ أَرَادَ الْوُجُوبَ فَلَا مَعْنَى لَهُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ مُحْتَمِلُ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ يُرَدُّ بِأَنَّ لَفْظَ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَهُ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَلِهَذَا قَالَ: وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَجَعَلَ الْقَابِسِيُّ الثَّالِثَ تَفْسِيرًا انْتَهَى.
وَأَكْثَرُ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الْجُزُولِيِّ قَوْلًا بِعَكْسِ الثَّالِثِ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ ضَيِّقًا لَا تَجِبُ إجَالَتُهُ، وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا وَجَبَتْ إجَالَتُهُ وَهُوَ غَرِيبٌ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَيْهِ وَكَانَ ضَيِّقًا فَيَنْبَغِي إذَا نَزَعَهُ بَعْدَ وُضُوئِهِ أَنْ يَغْسِلَ مَحَلَّهُ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ لَمْ يُجْزِهِ كَالْجَبِيرَةِ، إلَّا إنْ كَانَ يَتَيَقَّنُ إيصَالَ الْمَاءِ وَإِصَابَتَهُ لِمَا تَحْتَهُ انْتَهَى. وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَقَالَ: وَإِذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَيْهِ وَكَانَ ضَيِّقًا فَنَزَعَهُ بَعْدَ وُضُوئِهِ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مَوْضِعَهُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ إصَابَةَ الْمَاءِ لِمَا تَحْتَهُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ كَالْجَبِيرَةِ وَعَبَّرَ عَنْ غَسْلِ الْخَاتَمِ بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَرْضُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ صَارَ كَالْجَبِيرَةِ الَّتِي حُكْمُهَا الْمَسْحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَالَ فِي الطِّرَازِ هَذَا حُكْمُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ لُبْسُهُ وَلَا يُعْفَى عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَهُ وَدَلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِهِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ حَتَّى قَالَ سَحْنُونٌ: يُعِيدُ لَابِسُهُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَبِلُوهُ وَنَحْوُهُ مَا حَكَى ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ شَيْخِهِ الشَّبِيبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِعَدَمِ الْإِجَالَةِ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ مُطْلَقًا وَيُخَصَّصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِلُبْسِهِ الْمَعْصِيَةَ فَإِنْ قَصَدَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إجَالَتِهِ وَنَزْعِهِ. قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْعَاصِيَ لَا يَتَرَخَّصُ بِالْقَصْرِ وَالْفِطْر، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ هُنَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ يَقُولُ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِلِبَاسِهِ الْمَعْصِيَةَ وَأَمَّا إنْ قَصَدَ ذَلِكَ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى النَّزْعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ لَا أَعْرِفُهُ، وَأُصُولُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ عُمُومًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَافِرَ الْعَاصِيَ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَهَلْ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لَكِنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّبِيبِيُّ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَوْلُهُ: " لَا بُدَّ مِنْ إجَالَتِهِ أَوْ نَزْعِهِ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِأَوْ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ وَيَأْتِي الْكَلَامُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى بِخَاتَمِ الذَّهَبِ فِي فَصْلِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَاتَمَ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ لَا يَنْتَهِي إلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ كَمَا فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِنَزْعِهِ ابْتِدَاءً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَرَاهَةِ لُبْسِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَنَقْصِ غَيْرِهِ)
ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ هَذِهِ