وَحُكْمَ الشَّكِّ تَعَرَّضَ هُنَا لِحُكْمِ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ إذْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ وَتَرَدَّدَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَهَلْ هُوَ لِلنَّجَاسَةِ، أَوْ تَعَبُّدٌ فَحَسُنَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ذِكْرُهُ بِأَثَرِ الْكَلَامِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهَا بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَفِي الْمُوَطَّإِ وَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» هَذَا لَفْظُ الْمُوَطَّإِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ سَبْعًا، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ» ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» ، وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ «يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ السَّابِعَةَ بِالتُّرَابِ» وَرُوِيَ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، أَوْ النَّدْبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ، أَوْ النَّدْبِ، أَوْ نَقُولُ: هُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَكِنْ هُنَا قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ لِلْأَمْرِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَهِيَ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَةِ الْكَلْبِ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ النَّدْبُ، أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي لَبَنٍ، أَوْ طَعَامٍ أُكِلَ وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ الْإِنَاءُ، وَإِنْ كَانَ يُغْسَلُ سَبْعًا لِلْحَدِيثِ فَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ وَكَانَ يُضَعِّفُهُ، وَقَالَ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ وَكَانَ يَرَى الْكَلْبَ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَعْنَى يُضَعِّفُ الْوُجُوبَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ عِيَاضٌ: تُنُوزِعَ كَثِيرًا فِي الضَّمِيرِ مِنْ قَوْلِهِ يُضَعِّفُهُ فَقِيلَ: أَرَادَ تَضْعِيفَ الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ ظَاهِرُهُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَعَارَضَ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] ، وَقِيلَ: أَرَادَ تَضْعِيفَ الْوُجُوبَ، وَقِيلَ: تَوْقِيتَ الْعَدَدِ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ الْوُجُوبَ كَمَا نَحَا إلَيْهِ الْقَابِسِيُّ انْتَهَى.
وَمَا اخْتَارَهُ عِيَاضٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ الْأَشْهَرُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَمُعَارَضَةُ الْآيَةِ مُنْتَفِيَةٌ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ بَعْدَ غَسْلِ الصَّيْدِ، أَوْ تَقْيِيدِ الْحَدِيثِ بِالْمَاءِ فَقَطْ انْتَهَى بِالْمَعْنَى.
وَفَهِمَ سَنَدٌ الِاسْتِحْبَابَ إنْ كَانَ نَفْيُ الْمَاءِ وَحْدَهُ قَالَ: فَإِنَّهُ يُقِيمُ مِنْهُ التَّرْخِيصَ وَعَدَمَ التَّحَتُّمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ وَالْوُجُوبَ رِوَايَتَانِ، قَالَ: وَفِي وُجُوبِهِ وَنَدْبِهِ رِوَايَتَانِ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُمَا مُسْتَنْبَطَانِ فَالِاسْتِحْبَابُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَالْوُجُوبُ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ كَابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ لِوُلُوغِ الْكَلْبِ مِنْ مَائِهِ سَبْعًا نَدْبًا وَرُوِيَ وُجُوبًا وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّدْبِ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْوَافِي، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ إنَاءُ مَاءٍ يَعْنِي أَنَّ اسْتِحْبَابَ الْغَسْلِ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا وَلَغَ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ. وَأَمَّا إذَا وَلَغَ فِي إنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ، أَوْ مَا لَيْسَ فِي إنَاءٍ بَلْ فِي حَوْضٍ، أَوْ بِرْكَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْدَبُ غَسْلُ إنَاءِ الطَّعَامِ، وَلَا الْحَوْضِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ يُغْسَلُ إنَاءُ الطَّعَامِ أَيْضًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: بَنَى الْمَازِرِيُّ الْخِلَافَ عَلَى خِلَافِ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعَادَةِ إذْ الْغَالِبُ عِنْدَهُمْ وُجُودُ الْمَاءِ لَا الطَّعَامِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَنَّ الْوُلُوغَ هَلْ يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ، أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ وَجَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ بِبِنَائِهِ عَلَى الثَّانِي وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الثَّانِيَ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَوَجَّهَ سَنَدٌ الْمَشْهُورَ بِأَنَّ الْغَسْلَ تَعَبُّدٌ؛ لِأَنَّ لُعَابَ الْكَلْبِ طَاهِرٌ فَيَخْتَصُّ بِمَا وَرَدَ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: «إذَا وَلَغَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute