النَّضْحِ تَعَبُّدًا قَالَ: لِأَنَّ حُكْمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ غَلَبَةُ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِمْ الْغُسَالَةُ الْغَيْرُ الْمُتَغَيِّرَةُ طَاهِرَةٌ وَمَاءُ النَّضْحِ غَالِبٌ لِقِلَّةِ النَّجَاسَةِ إنْ كَانَتْ.
قَالَ فَإِنْ رَدَّ بِأَنَّ الرَّشَّ غَيْرُ مَلْزُومٍ لِوُصُولِ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ لِكَوْنِهِ رَشًّا لَا يَعُمُّ سَطْحَ الْمَحَلِّ الْمَشْكُوكِ فِيهِ بِلَا غَلَبَةٍ.
أُجِيبَ بِأَنَّ كَثْرَةَ نُقَطِ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِهِ فَقَطْ مَظِنَّةٌ لِنَيْلِ نَجَاسَتِهِ إنْ كَانَتْ وَالظَّنُّ كَافٍ انْتَهَى.
وَقِيلَ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ لِظُهُورِ التَّعَبُّدِ فِيهِ إذْ هُوَ تَكْثِيرٌ لِلنَّجَاسَةِ لَا إزَالَةٌ لَهَا، وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّعَبُّدَ فِيمَا تَقَعُ بِهِ الْإِزَالَةُ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلنِّيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَصَرُوا الْإِزَالَةَ عَلَى الْمَاءِ فِي الْمَشْهُورِ؟ وَذَلِكَ تَعَبُّدٌ لَا تَلْزَمُ النِّيَّةُ مَعَهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَكَمَا لَا تَلْزَمُ النِّيَّةُ فِي الْغُسْلِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَبَّدًا بِهِ فَكَذَلِكَ فِي النَّضْحِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ: وَالْقَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ لِابْنِ مُحْرِزٍ وَالثَّانِي لِبَعْضِهِمْ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ افْتِقَارِهِ لِلنِّيَّةِ.
(تَنْبِيهٌ) إذَا قُلْنَا فِي الْجَسَدِ إنَّهُ يُنْضَحُ، أَوْ فِي الْأَرْضِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (لَا إنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ)
ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ أَوْجُهِ الشَّكِّ وَهُوَ مَا إذَا تَحَقَّقَ الْإِصَابَةَ وَشَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ النَّضْحِ، وَقَالَ الْبَاجِيّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: فِيهِ النَّضْحُ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِجَامِعِ حُصُولِ الشَّكِّ وَأَيْضًا فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ طَهُورٌ لِكُلِّ مَا شَكَّ فِيهِ وَاسْتَضْعَفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ النَّضْحَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ هُنَا ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ أَكْثَرَ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَغَيْرِهَا طَاهِرَةٌ فَإِلْحَاقُ هَذَا الْمُصِيبِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ أَوْلَى وَلِأَنَّ هَذَا الْمُصِيبَ إنْ رُجِعَ فِيهِ إلَى الْأَصْلِ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ رُجِعَ إلَى الْغَالِبِ فَالْغَالِبُ كَذَلِكَ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ لَا إنْ شَكَّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ شَكَّ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ مَعْطُوفٌ عَلَى وَجَبَ مُقَدَّرٌ بِشَرْطِهِ أَيْ، وَلَا يَجِبُ نَضْحُهُ إنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ ثُمَّ قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ:) مَا مَعْنَى مُقَدَّرٌ بِشَرْطِهِ (قُلْتُ:) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُ الْمُتَأَخِّرِ شَرْطًا (فَإِنْ قُلْتَ:) عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْجَزَاءِ.
(قُلْتُ:) نَعَمْ حَالَ التَّلَفُّظِ بِهِ وَلَيْسَ كُلُّ مُقَدَّرٍ يَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ سَوَاءٌ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا إنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَةُ الْمُصِيبِ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ وَشَكَّ هَلْ أُزِيلَتْ عَنْهُ النَّجَاسَةُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا كَالثَّوْبِ مَثَلًا، أَوْ الْجَسَدِ الَّذِي تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ وَشَكَّ فِي إزَالَتِهَا عَنْهُ ثُمَّ أَصَابَ غَيْرَهُ وَهُوَ رَطْبٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِمْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ وَأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا لِثَوْبٍ وَجَبَ نَضْحُهُ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (أَوْ فِيهِمَا)
ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَشُكَّ فِي الْإِصَابَةِ، وَفِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ وَالنَّضْحُ سَاقِطٌ هُنَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ لَمَّا تَرَكَّبَ مِنْ وَجْهَيْنِ ضَعُفَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْفَرْعَ تَتْمِيمًا لِلْمَسْأَلَةِ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَاسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ.
ص (وَهَلْ الْجَسَدُ كَالثَّوْبِ أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ خِلَافٌ) .
ش يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْجَسَدِ هَلْ هُوَ كَالثَّوْبِ فَإِذَا شَكَّ هَلْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا وَجَبَ نَضْحُهُ، أَوْ لَيْسَ هُوَ كَالثَّوْبِ بَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هُوَ الْأَصَحُّ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ طَهُورٌ لِكُلِّ مَا شَكَّ فِيهِ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ شَعْبَانَ وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاخْتِصَارِ الْبَرَاذِعِيِّ وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِأَبِي عِمْرَانَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ الْمَذْهَبَ وَعَزَا مُقَابِلَهُ لِابْنِ شَعْبَانَ وَضَعَّفَهُ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَغْسِلُ أُنْثَيَيْهِ مِنْ