للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ مُسْتَحَبٌّ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ شَيْئًا وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وُجُوبُ النَّضْحِ وَاسْتِحْبَابُهُ وَوُجُوبُ الْغَسْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ سَنَدٍ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَدَلِيلُهُ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ بِنَضْحِ الْحَصِيرِ الَّذِي اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ وَذَلِكَ لِحُصُولِ الشَّكِّ فِيهِ، وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ شَكَّ فِي ثَوْبِهِ هَلْ أَصَابَهُ مَنِيٌّ: اغْسِلْ مَا رَأَيْت وَانْضَحْ مَا لَمْ تَرَ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُسْتَدِلًّا عَلَى ثُبُوتِ النَّضْحِ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ.

فَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْجَمْعِ أَنَّ ابْنَ لُبَابَةَ يَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْغَسْلِ وَالنَّضْحِ فِيمَا شَكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ وَخَالَفَنَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَوَافَقَهُمَا ابْنُ لُبَابَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّضْحِ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ فَالنَّضْحُ يَنْشُرُهَا اهـ. إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ ابْنَ لُبَابَةَ يُوَافِقُهُمَا فِي الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّضْحِ، وَإِنْ خَالَفَهُمَا فِي وُجُوبِ غَسْلِ مَا شَكَّ فِيهِ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِالثَّوْبِ احْتِرَازٌ مِنْ الْجَسَدِ فَإِنَّهُ سَيَذْكُرُ حُكْمَهُ، وَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَاكَ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَمَثَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا شَكَّ الْجُنُبُ، أَوْ الْحَائِضُ هَلْ أَصَابَ ثَوْبَهُمَا شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ مَصْبُوغًا يَخْفَى أَثَرُ الدَّمِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ أَبْيَضَ فَلَا أَثَرَ لِلِاحْتِمَالِ وَهُوَ وَهْمٌ قَالَ مَعْنَاهُ فِي الْجَلَّابِ اهـ.

وَنَحْوُهُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِيمَنْ تَرَكَ النَّضْحَ، وَكَذَا لَوْ نَامَ فِي ثَوْبِهِ وَرَأَى فِي جِهَةٍ مِنْهُ بَلَلًا وَشَكَّ فِي الْأُخْرَى هَلْ أَصَابَهَا شَيْءٌ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَا رَأَى وَيَنْضَحُ مَا لَمْ يَرَ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ النَّضْحَ إنَّمَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ، وَالشَّكُّ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ فَأَمَّا الْوَهْمُ فَلَا أَثَرَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ. وَأَمَّا الظَّنُّ فَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ إلَّا صَاحِبَ النَّوَادِرِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ النَّضْحَ لِلشَّكِّ، وَكَذَلِكَ إنْ ظَنَّ أَنَّ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً فَلْيَرُشَّهُ اهـ.

(قُلْتُ:) وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُعَوِّلْ فِي أَمْرِ النَّجَاسَةِ إلَّا عَلَى الْمُحَقَّقِ فَأَجَازَ الصَّلَاةَ بِالنِّعَالِ الَّتِي يُمْشَى بِهَا فِي الطُّرُقَاتِ، وَفِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَقَبِلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ. وَالْمُزِيلُ لِلْوَسْوَاسِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ خُلِقَتْ طَاهِرَةً بِيَقِينٍ فَمَا لَا يُشَاهَدُ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَلَا يَعْلَمُهَا يَقِينًا يُصَلِّي بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَصَّلَ بِالِاشْتِبَاهِ إلَى تَقْدِيرِ النَّجَاسَاتِ اهـ. فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مُنَاطَةٌ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَفِي رَسْمِ نَذْرٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَسَأَلْتُهُ عَنْ جِدَارِ الْمِرْحَاضِ يَكُونُ نَدِيًّا يُلْصِقُ بِهِ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ قَالَ أَمَّا إنْ كَانَ نَدَاهُ شَبِيهًا بِالْغُبَارِ فَلْيَرُشَّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَلَلًا أَوْ شَبِيهًا بِهِ فَلْيَغْسِلْهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا كَانَ شَبِيهًا بِالْغُبَارِ فَلَا يُوقَنُ بِتَعَلُّقِهِ بِثَوْبِهِ فَكَذَلِكَ قَالَ يَنْضَحُهُ؛ لِأَنَّ النَّضْحَ طُهُورٌ لِمَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ مِنْ الثِّيَابِ وَإِنْ كَانَ بَلَلًا، أَوْ شَبِيهًا بِالْبَلَلِ فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِثَوْبِهِ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُ النَّجَاسَةِ لِلثَّوْبِ وَجَبَ الْغَسْلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ نَدَاوَةُ الْجِدَارِ شَبِيهَةً بِالْبَلَلِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُهَا لِلثَّوْبِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ بَالَ فِي رِيحٍ فَظَنَّ أَنَّ الرِّيحَ رَدَّتْ عَلَيْهِ مِنْ بَوْلِهِ فَلْيَغْسِلْهُ إنْ أَيْقَنَ بِذَلِكَ وَلَا يَنْضَحْهُ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

ص (وَإِنْ تَرَكَ أَعَادَ الصَّلَاةَ كَالْغَسْلِ) . ش يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ النَّضْحِ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ كَمَا يُعِيدُهَا مَنْ تَرَكَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ الْمُحَقَّقَةِ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا، أَوْ جَاهِلًا أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا، أَوْ عَاجِزًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَالْوَقْتُ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ، وَفِي الْعِشَاءَيْنِ لِلْفَجْرِ، وَفِي الصُّبْحِ لِلطُّلُوعِ وَعَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَعَزَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَقَطْ وَعَزَاهُ ابْنُ مُعَلَّى لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعِيسَى وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>