للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُضْطَرًّا فَقَدْ أَدْخَلَ احْتِمَالَ الْخَلَلِ فِي صَلَاتِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّكِّ فِي الثَّوْبَيْنِ، أَوْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ فَيَتَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ. وَأَمَّا الثَّوْبُ الْوَاحِدُ فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّحَرِّي فِيهِ إلَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَنْ التَّوْضِيحِ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْمُرُ بِهِ الثَّوْبَ وَضَاقَ الْوَقْتُ، وَهَكَذَا قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ بِأَنَّهُ إذَا تَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ صَلَّى بِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ. وَأَمَّا الثَّوْبُ الْوَاحِدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ وَالشَّكِّ فِي جَمِيعِ الثَّوْبِ فَيَغْسِلَ جَمِيعَهُ. قَالَ: وَفِي التَّحْقِيقِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَقَدْ أَغْفَلُوا كُلُّهُمْ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ عَنْهُ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ وَجَدَ ثَوْبًا طَاهِرًا كَمَا فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَالثَّانِي عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ يُعِيدُ فِي الْآخَرِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ يَرَى إذَا صَلَّى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَعَادَ فِي الْآخَرِ مَكَانَهُ فَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّ إحْدَى صَلَاتَيْهِ قَدْ وَقَعَتْ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى بِأَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْآخَرِ فَلَمْ يَعْزِمْ فِي صَلَاتِهِ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا فَرْضُهُ إذَا صَلَّى بِنِيَّةِ الْإِعَادَةِ فَحَصَلَتْ النِّيَّةُ غَيْرُ مُخْلَصَةٍ لِلْفَرْضِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعَادَهَا لَمْ يُخْلِصْ نِيَّتَهُ فِي إعَادَتِهِ لِلْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى أَنَّهَا صَلَاتُهُ إنْ كَانَ هَذَا الثَّوْبُ هُوَ الطَّاهِرَ.

وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّهَا فَرْضُهُ فَيَتَحَرَّى صَلَاتَهُ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَصَلَّى بِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِنَجَاسَتِهِ لَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ ثُمَّ إنْ وَجَدَ فِي الْوَقْتِ ثَوْبًا طَاهِرًا أَعَادَ اسْتِحْبَابًا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّظَرِ فِيمَا إذَا صَلَّى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَعَادَ فِي الْآخَرِ يَأْتِي نَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ حَسَنٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ يُصَلِّي بِأَحَدِهِمَا أَيْ بَعْدَ أَنْ يَتَحَرَّى وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يُجِيزُ لَهُ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِهِمَا بِلَا تَحَرٍّ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرِّي اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَحَرَّى أَيْ اجْتَهَدَ فَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَحِينَئِذٍ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ إنْ وَجَدَ ثَوْبًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ إذْ هُوَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُرَجِّحُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنِ هَارُونَ أَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا هُوَ مَعَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِفُرُوقٍ ضَعِيفَةٍ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ الطَّهَارَةُ عَلَى انْفِرَادِهِ فَيَسْتَنِدُ إلَى أَصْلٍ، وَلَا كَذَلِكَ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ قَدْ بَطَلَ لِتَحَقُّقِ حُصُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَكَذَا قَالُوا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَلَوْ فَصَلَ هَذَا الثَّوْبَ نِصْفَيْنِ بَقِيَ وُجُوبُ الْغَسْلِ عَلَى مَا كَانَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَسْمُ فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَجِسًا وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُمَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي فِيهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ: وَلَوْ فَصَلَهُمَا جَازَ لَهُ التَّحَرِّي إجْمَاعًا يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي فِي الثَّوْبَيْنِ انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ فِيمَا إذَا قَسَمَ الثَّوْبَ: فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ قَسَمَ فِي مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ بَلْ النَّجَاسَةُ بَعِيدَةٌ مِنْهُ لَكَانَ مِثْلَ أَحَدِ الْكُمَّيْنِ انْتَهَى.

وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحَرِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لِثُبُوتِ النَّضْحِ فِيمَا شَكَّ فِي وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَالْيَقِينُ وَهَذَانِ الْوَصْفَانِ غَيْرُ مَوْجُودَيْنِ فِي الثَّوْبَيْنِ.

(قُلْتُ:) وَإِذَا مَشَيْنَا عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ لَمْ يَحْتَجْ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

وَصَدَّرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِالْقَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>