الفائدة السابعة: إثبات الحكمة في أفعال الله تعالى لقوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}، وثبوت الحكمة لله - عزّ وجل - في أفعاله وفي شرعه أمر معلوم لكل ذي عقل؛ لأن كون الأفعال والأحكام تصدر عن حكمة يدل على كمال الفاعل والمشرع.
فإن قيل: هل كل فعل أو حكم جاء من عند الله يكون معلوماً لنا حكمته؟
فالجواب: لا؛ لأن عقولنا أقصر من أن تحيط بحكمة الله - عزّ وجل -، لكن نعلم علم اليقين أن ذلك لحكمة، ولهذا لما سئلت أم المؤمنين عائشة:"ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ " ما ذهبت تعلل، فتقول: الصوم لا يأتي في السنة إلا مرة وقضاؤه سهل، والصلاة تأتي في اليوم والليلة خمس مرات فقضاؤها صعب، والصوم لا نظير له - في السنة - يقوم مقامه، والصلاة لها نظير، وإذا لم تصلِّ اليوم صلّت غداً، لم تقل هذا، بل قالت:"كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"(١)، فجعلت مجرد الحكم هو الحكمة، وهكذا يجب على كل مؤمن أن يؤمن بأن جميع أفعال الله، وجميع شرائع الله كلها لحكمة، لكن قد تُعلم وقد لا تُعلم.
والفقهاء - رحمهم الله - يعبرون عن الشيء الذي لا تعلم حكمته بأنه تعبدي، بمعنى أنه ليس علينا إلا أن نتعبد به، لا أن نعلم حكمته، وأحياناً يقولون: عن شيء أنه تعبدي، وهو معلوم الحكمة، وأحياناً يكون قولهم صواباً.
(١) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة (٣٣٥).