حينئذٍ يسوغ لنا أو ينبغي لنا أن نتكلم على "أن"، فـ "أن" إذا كان ما قبلها عِلْمًا فإنه يجب الرفع، كما في قوله تعالى:{أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا}[طه: ٨٩]، وإذا كان ما قبلها يفيد الظن جاز الوجهان، وإذا كان ما قبلها ليسس علمًا ولا ظنًّا وجب النصب، فمثلًا تقول: يعجبني من الطالب ألا يجادل، كيف نقرأ حركة اللام؟ ألا يجادلَ فيتعين النصب، وإذا كان ظنًّا تقول: علمت ألا يكونُ كذا، وتكون "أن" المخففة من الثقيلة، فإذا كان ظنًّا جاز فيها الوجهان.
في الآية الكريمة:{وَحَسِبُوا} أي: ظنوا، ولذلك جاز الوجهان؛ النصب والرفع، {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، أي: حسبوا ألا يكون من جراء فعلهم هذا وهو التكذيب والقتل ألا تكون فتنة، أي: ألا يفتنوا بتسليط الأعداء عليهم، أو بعذاب يعاقبون به، كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال: ٢٥] فاستمروا في طغيانهم، {فَعَمُوا وَصَمُّوا} عموا عن الحق فلا يرونه، وصموا عنه فلا يسمعونه، {ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} بعد أن أراهم شيئًا من العذاب تاب الله عليهم، ثم رجعوا لكن لم يرجعوا كلهم، بل بعضهم انتفع بهذه الفتنة التي تاب الله عليهم بعدها، وبعضهم استمر، ولهذا قال:{ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} فصار بنو إسرائيل:
أولًا: عموا وصموا جميعًا، ثم تاب الله عليهم، ثم رجعوا لكن لم يرجعوا كلهم ولكن البعض، عموا وصموا كثير منهم، والذين لم يعموا ولم يصموا قليل.