قوله:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} هذا آخر الكتب وأفضلها وأشرفها وأعمها وأنفعها وأرفعها وهو القرآن الكريم، قوله:{إِلَيْكَ}"إلى" تفيد الغاية فالإنزال من علو غايته النبي عليه الصلاة والسلام بخلاف "على" فإنها تفيد الاستعلاء.
وقوله:{الْكِتَابَ} المراد بالكتاب: القرآن، وهو فعال بمعنى: مفعول أي: مكتوب، فهو مكتوب في اللوح المحفوظ، مكتوب بأيدي الملائكة السفرة، مكتوب في المصاحف التي بين أيدينا، وسمي بذلك؛ لأنه جمعت فيه الأحكام الشرعية والأخبار الصادقة والقصص النافعة، وأصل الكَتْب: الجمع، ومنه الكتيبة لطائفة مجتمعة من الجيش.
وقوله:{بِالْحَقِّ} حال من الكتاب، أي: حال كونه متلبسًا بالحق، فيكون ما جاء به القرآن متضمنًا للحق، هذا وجه من معناه.
الوجه الثاني: أنزلناه بالحق أي: أنه حق من عند الله عزّ وجل، فتكون الباء للتعدية في قوله:{أَنْزَلْنَا}، يعني: أنزلناه إنزالًا حقًّا، قال الله تعالى:{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}[الإسراء: ١٠٥].
قوله:{مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} والذي بين يديه من الكتاب: ليس التوراة والإنجيل فقط بل هما أقرب الكتب إليه، لكن جميع الكتب قد صدقها، قال الله تبارك وتعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد: ٢٥]، فهو مصدق لكل ما سبقه من الكتب، ولهذا لا يأتي بعده كتاب.