وفي غيره، أما كونه وصفًا في نفسه؛ لأنه لا بركة فيه، كما قال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)} [الروم: ٣٩]، وكما جاء في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه، فيمن كسب مالًا محرمًا أنه إن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خَلَّفَهُ كان زاده إلى النار (١).
وأما كونه وصفًا في غيره؛ لأنه يسحت المال الآخر، والحاصل أن هؤلاء جمعوا بين فساد القول وفساد الغذاء، فهم سماعون للكذب يقبلونه ويتحدثون به، ويأخذونه مسلمًا وأكالون للسحت.
قوله:{فَإِنْ جَاءُوكَ} يعني: لتحكم بينهم {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الخطاب هنا للرسول عليه الصلاة والسلام وأمته مثله، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١] لكن الفاعل في قوله: {فَإِنْ جَاءُوكَ} هل المراد به أهل الذمة، أم المعاهدون، أم كل كافر، أم كل مؤمن، أم ماذا؟ نقول: أما المؤمن، فلا يجوز الإعراض عن الحكم بين المسلمين خصوصًا من وكل إليه الأمر مثل القضاة، فلا يجوز لأي قاضٍ إذا ترافع إليه الخصمان أن يتعذر بل يجب أن يحكم بينهما، أما المُحكَّم الذي ليس بقاضبى فله أن يحكم وله أن لا يحكم، لكن لو استفتي يجب أن يفتي بشرع الله، أما التحكيم فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل، مثل أن يكون نزاع بين
(١) رواه أحمد (١/ ٣٨٧) (٣٦٧٢)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٥) (٢١٣٧)، والبيهقي في الشعب (٤/ ٣٩٥) (٥٥٢٤).