الذين هادوا هم سماعون فتقرأ:{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} ثم تقف؛ لأنها معطوفة على قوله:{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} ثم تقول: {سَمَّاعُونَ} والتقدير: "هم سماعون" وإذا قلنا: إن الجملة مستأنفة جعلنا: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} خبرًا مقدمًا، وسماعون صفة لموصوف محذوف وهو المبتدأ، والتقدير:"ومن الذين هادوا قوم سماعون للكذب".
وقوله:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ}: أي: قابلون له، يقبلون الكذب من أحبارهم الذين يقولون: إن محمدًا ليس بنبي، وهذا من أكذب ما يكون، بل هو أكذب شيء بعد الكذب على الله عز وجل.
قوله:{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} أي: سماعون لكذبهم، فيكون الله عزّ وجل ذكر أن هؤلاء الذين هادوا ويسمعون للكذب مطلقًا، ويسمعون لقوم آخرين لم يأتوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتكون "اللام" للتعدية أو للتقوية.
وقوله:{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} تحتمل معنيين، والقاعدة أن الكلمة تحمل على المعنيين إذا كانا صحيحين، ولا مرجح لأحدهما على الآخر، ولا منافاة بينهما.
فالمعنى الأول: أنهم سماعون للكذب ممن أَتوك وممن لم يأتوك، فهم يستجيبون للكذب من أي إنسان، سواء كان يأتي إليك أو لا يأتي.
والمعنى الثاني: في قوله: {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} أي: يسمعون منك ليوصلوه إلى قوم آخرين، فكأنهم واسطة بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين من ينقلون إليه الخبر، وتكون "اللام" تعليلية،