ثانيًا: أن قوله: {مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} شبه جملة، فهي في حكم المفرد. "وأنعم" جملة، والنعت بالمفرد أولى بالموالاة من النعت بالجملة؛ فلدينا ثلاثة أشياء: إما أن ينعت الموصوف بما يطابقه في الإفراد، وإما أن ينعت بشبه الجملة، وإما أن ينعت بالجملة والمفرد، وشبه الجملة ألصق بالمنعوت من الجملة، فلهذا كانت الفصاحة تقتضي تقديم {مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ}.
قوله:{قَالَ رَجُلَانِ} الله عزّ وجل لم يبين مَنْ هذان الرجلان، وليس لنا في معرفة عينهما ضرورة. ولأن تعيين الرجلين باسمهما لا يتوقف عليه فهم القضية وفهم الواقع، ولذلك تأتي آيات كثيرة وأحاديث كثيرة ليس فيها تعيين الإنسان بعينه؛ لأن المقصود هو فهم القضية.
لكن لو قال قائل: ألا يمكن أن يكون الرجلان موسى وهارون؟ الجواب: لا يمكن، ولو قلنا بذلك لفسد المعنى، المهم ماذا قالا؟ أما أن نعرف من هما، فلو كان هذا الأمر من الأمور التي تنبني عليه العقيدة لكان الله عَزَّ وَجَلَّ بَيَّنَهُ إما في القرآن أو على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله:{مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} أي: يخافون الله، ولهذا نقول: إن مفعول يخافون محذوف، تقديره: الله.
وقوله:{أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} أنعم الله عليهما بأمور:
أولًا: خوف الله عزّ وجل، فإن خوف الله من أكبر النعم؛ لأن خوف الله يستلزم اجتناب محارم الله، والقيام بطاعته.
ثانيًا: أنعم الله عليهما بالقوة: بقوة النفس؛ لأنهما الآن يقابلان أمة؛ لأن قوم موسى كلهم قالوا له:{إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا}.