عنه، فيبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب مما تقوم به الحجة عليكم.
قوله:{وَيَعْفُو عَنْ كَثِير}، أي: يتركه ولا يذكره؛ لأنه لا حاجة لذكره، وسماه عفوًا لأن فيه سترًا لفضائحهم التي كانوا يقومون بها من كتمان ما أنزل الله، فيعفو عن كثير مما لا تدعو الحاجة إلى ذكره، ومن تدبر القرآن وجد فيه أخبارًا كثيرة عن بني إسرائيل، قال الله تعالى:{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}[الأنعام: ٩١]، فهذا دأب أهل الكتاب.
قوله:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}، "النور": هل المراد به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - المراد ما يحصل من الكتاب والسنة من الهدى؟ المراد الثاني، وعلى هذا فيكون قوله:{وَكِتَابٌ} معطوفًا على نور، من باب عطف المقتضي على المقتضى، مثل قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤)} [الأعلى: ٢ - ٤].
وأيضًا قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤)} [النساء: ١٧٤]، فمحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أتى بالنور الذي هو الهدي الساطع اللامع الذي لا ظلمة معه.
وقوله:{وَكِتَابٌ مُبِينٌ} هو القرآن وقد تقدم أنه سمي كتابًا لأمور ثلاثة: أولًا: أنه مكتوب في اللوح المحفوظ. ثانيًا: أنه مكتوب في الصحف التي بأيدي الملائكة. ثالثًا: أنه مكتوب في الصحف التي بأيدينا، وفعال: بمعنى مفعول، كما جاء ذلك كثيرًا في اللغة العربية، مثل: غراس وبناء.