بشهادة أن محمدًا رسول الله، وهذه في الرسالة وتلك في التوحيد، فالرسل ما أرسلوا إلا ليُطاعوا، لا ليُكذبوا ويُؤذوا ويُقتلوا؛ لأن من الرسل من كُذب، وأُوذي، وقُتل، ومن الرسل من أُطيع.
قول {إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} إذنُ الله تعالى ينقسم إلى قسمين: إذن كوني، وشرعي، والمراد به هنا الشرعي، ويحتمل أنه الكوني، يعني: ليطاع إذا أذن الله تعالى بذلك كونًا، ومن الرسل الذين أرسلوا ليطاعوا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا فرَّع عليه قوله:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ}، يعني: لو أنهم حين ظلموا أنفسهم جاءوك، يعني: جاءوك في حال ظلم أنفسهم، وذلك فيما وقع بينهم من خصومة فتحاكموا إلى غير الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلو أنهم حين حصلت منهم هذه المظلمة جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام:{فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}.
وقوله:{إِذْ ظَلَمُوا} يعني: حين ظلموا أنفسهم، وذلك بما وقع بينهم من نزاع وخصومة.
قوله:{جَاءُوكَ} أي: جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن المراد جاءوك في حال حياتك، ويدل لهذا قوله:{وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ}؛ لأنه بعد موته لا يمكن أن يستغفر لهم؛ إذ أن عمله انقطع بموته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات الإنسان انقطع عمله ... "(١).
(١) رواه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، حديث رقم (١٦٣١).