قال المُنَاوي شارحاً للحديثِ في «فيض القدير»(٤/ ١٥٤): («شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يأكلون ألوان الطعام، ويَلبسُون ألوان الثياب، ويتشدَّقُون في الكلام». أي: يتوسَّعُون فيه بغير احتياط وتحرُّز.
قال حجة الإسلام ـ الغزالي ـ: أكلُ أنواعِ الطعام ليس بحَرام، بل هو مباح، لكن المداومَ عليه يُربي نفسَه بالنعيم، ويأنَس بالدنيا ويأنَس باللذات، ويَسعَى في طلَبِها؛ فيجرُّه ذلك إلى المعاصي، فهُمْ مِن شِرار الأمة؛ لأنَّ كثرة التنعم تقودُهم إلى اقتحام المعاصي.
أوحَى اللَّهُ إلى مُوسى: اذكُرْ أنك ساكِنَ القبرَ؛ يمنَعُكَ ذلك عن كثير مِن الشهَوات.
فعُلِمَ أنَّ النجاةَ في التباعد مِن أسبابِ البَطَر والأشَر، ومِن ثَمَّ فَطَمَ الجِلَّةُ الحازِمُون نفوسَهم عن مَلاذها، وعوَّدُوها الصبرَ عن شَهَواتها، حَلالها وحَرامِها، عَلِموا أنَّ حلالها حِسَابٌ، وهو نوعُ عذَابٍ، فخلَّصُوا أنفسَهم من عذابها، وتوصَّلُوا إلى الحريةِ والملكِ في الدُّنيا والآخرة بالخَلاصِ عَن أسرِ الشهواتِ ورِقِّها).
وقال ـ أيضاً ـ في «فيض القدير»(٤/ ١٥٥): («شرار أمتي» أي: مِن شِرَارهم. «الذين وُلِدُوا في النعيم، وغُذوا به، يأكلون من الطعام ألواناً». قال الغزالي: وشَرَهُ الطعامِ من أمهات الأخلاق المذمومة؛ لأنَّ المعِدَةِ يَنبُوعِ