للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٤]، فشَرْط المعروف يراد به النكاح الحلال، والعقد الصحيح بولي وإعلان، فهذا هو المعروف الذي شرَطَه اللَّه عز وجل، فإن الظاهر -واللَّه أعلم- يدل على أن أجلهن في هذا الموضع، هو الذي أبيح لهن فيه التزويج وهو ما بعد آخر العدة، وآخر العدة هو من العدة، وما بعدها ليس منها، وقد تأتي اختصارات يتسع القول فيها إذا فُهم المعنى.

فقوله في المتوفى: {بَلَغْنَ}، معلوم أنه خرجن، وقوله في المطلقة: {بَلَغْنَ}: قارَبن، ولهذا نظائر في القرآن، قال اللَّه عز من قائل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: ٩٨]، وإنما هو إذا أردت، وقال سبحانه: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} [المجادلة: ١٢]، إنما هو إذا أردتم مناجاة الرسول، وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" (١)، وإنما هو إذا أراد المجيء، وقال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}، ثم قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: ٢٢٨]، وليس يكون ذلك فيمن طَلَّق ثلاثًا.

وقال بعد ذكر المرتين: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩]، فعلم أنه التطليق الثالث حالًا بعد حال، ألا تراه قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [لبقرة: ٢٣٠]، فرد هذا النسق على قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، نَسَقًا على قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.


(١) رواه البخاري في صحيحه برقم ٨٧٧، كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة، عن ابن عمر رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل".

<<  <  ج: ص:  >  >>