[إنكار المعتزلة للرؤية والرد عليهم]
* أما الفرقة الأولى: فهم المعتزلة المحرومون.
فقد قالوا: إن الله لا يرى يوم القيامة بالعين.
وأولوا جميع الآيات وجميع الأحاديث الواردة في رؤية الله عز وجل بالمعرفة وأن المراد بهذه الآيات والأحاديث زيادة المعرفة والإكثار منها وهو مشهور عن المعتزلة.
والمعتزلة في الحقيقة لم يستدلوا بالأدلة الشرعية على إنكار رؤية الله عز وجل، وإنما كان منطلقهم في الاستدلال على إنكار رؤية الله عز وجل منطلق عقلي محض.
فقالوا: إذا كان الله يرى فمعنى هذا أنه في جهة، ولا يكون في جهة إلا ما كان جسماً منقسماً.
وهذه الألفاظ لا بد أن يستفصل عن معناها، فإذا كانت معانٍ صحيحة قبلت، وإذا كانت معانٍ باطلة ردت، وإذا كانت مشتملة على معنى صحيح ومعنى باطل قبل الصحيح ورد الباطل.
وهذه الاصطلاحات متأخرة ظهرت بعد الاصطلاحات الشرعية، وأراد بها أصحابها أنواعاً من العقائد التي تشتمل على الحق والباطل.
فهم مثلاً يقولون: إن إثبات العلو لله، وإثبات رؤيته عز وجل يلزم منه أن يكون الله في جهة.
ونحن نقول: ماذا تريدون من كلمة جهة؟ فإذا كنتم تريدون من كلمة جهة أن الله عز وجل في جهة العلو، وأن المؤمنين يرونه يوم القيامة ولا يحيطون برؤيتهم له إحاطة تامة، كما قال الله عز وجل: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:١٠٣] فهذا معنى حق أثبته الشرع، فلا عبرة بنفيكم.
وإن كنتم تقصدون بالجهة: أن الله في جهة، يعني: أنه محصور في جهة فهذا معنى باطل لا نقول به.
وإنما نقول: إن الله عز وجل في جهة العلو، وهو سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة بالأبصار.
فلما رأى المعتزلة أن أهل السنة أصحاب عقيدة صحيحة، وأن منطلقهم النصوص بدءوا يتلمسون في النصوص ما يحاولون أن يستدلوا به على إنكار الرؤية، وهذه طريقة أهل البدع.
فأهل البدع يقررون العقيدة أولاً كما يشاءون، ثم بعد ذلك يحاولون يأخذوا من النصوص ما يظنون أنه يوافق عقيدتهم ويستدلون بها، ويتركون الواضحات البينات.
فجاءوا إلى قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:١٠٣]، فقالوا: إن معناها: أنه لا يرى.
وهذا كلام باطل؛ لأن الله عز وجل في هذه الآية لم ينف الرؤية وإنما نفى الإدراك.
والإدراك معناه: الإحاطة.
ونحن لا نقول: إن الله عز وجل نراه يوم القيامة ونحيط به، وإنما نقول: نراه ولا نحيط به كما فسرتموها بالعلم، فإن علمه لا يحاط به، كما قال الله عز وجل: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥] ومعنى هذا إذاً: أننا لا نعرف الله عز وجل، لأننا لا نحيط به علماً، وهذا إلزام لهم.
وإلا فالمعنى الصحيح لهذه الآية: أن الله عز وجل نفى عن العباد أن يدركوه، فلا يمكن للعبد أن يدرك الله عز وجل حتى مع نظره إليه.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التدمرية عند حديثه عن القدر المشترك بين صفات الله وصفات خلقه: أن الله عز وجل يقول: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:١٠٣] فهذه الآية فيها إثبات للرؤية؛ لأنه قال: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣] وهذا يدل على أنها تراه.
فنفى الإدراك ففيه تضمين لإثبات الرؤية.
فيكون هذا دليل إضافياً إلى تلك الأدلة التي تدل على رؤية الله عز وجل يوم القيامة.