[مقدمة عن الموت والنهي عن تمنيه لحصول الضر]
إن الكارثة أن يموت الإنسان فجأة، فلو حصلت مشاكل وابتلاءات للعبد فقد نهي أن يدعو على نفسه بالموت، ولكن يدعو بما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً لي، وأمتني إن كان الموت خيراً لي، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر)، هكذا يدعو الإنسان؛ لأن ربنا إذا أحب شخصاً أطال عمره وأحسن له عمله، وإذا أبغض شخصاً أطال عمره وأساء عمله.
وربنا يحب ثلاثة وحبه لثلاثة أشد، ويكره ثلاثة وكرهه لثلاثة أشد: يحب التوابين أو الطائعين، ومحبته للشاب الطائع أشد، ويحب الصابرين، وحبه للفقير الصابر أشد، ويحب المتصدقين، وحبه للغني المتصدق أشد، ويكره العاصين، وكرهه للشيخ العاصي أشد، ويكره المتكبرين، وكرهه للفقير المتكبر أشد.
إذاً: العبد لا يتمنى الموت لضر قد نزل به، ولكن إن كان ولا بد فليدع الله عز وجل أن يحييه إن كانت الحياة خيراً له، أو يميته إن كان الموت خيراً له؛ لأن العلماء يقولون: إن الذي يستعجل الموت واحد من ثلاثة: إما رجل جاهل بما بعد الموت، أي: ليس عارفاً بالأهوال التي ستقابله.
والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان مرة جالساً مع الصحابة فسمعوا وجبة شديدة، وقلوب الصحابة لم تكن مثل قلوبنا معتمة كانت مضيئة منيرة بكلام الله، منشرحة لذكر الله عز وجل، فلما سمعوا الوجبة خافوا وقالوا: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: أو سمعتم؟ قالوا: نعم يا رسول الله سمعنا، قال: هذا حجر ألقي في جهنم منذ سبعين سنة، وصل قعرها الآن)، انظر كيف كانت قلوب الصحابة حين سمعت وجبة الحجر في قعر جهنم.
وكان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما هنأت لكم حياة) يعني: لو نعلم الذي كان يعلمه الحبيب صلى الله عليه وسلم لما هنأت لنا الحياة؛ لأن الحبيب صلى الله عليه وسلم لما كان يسير في الأرض كانت الشجر تسلم عليه، والحصى تسلم عليه، وكان يسمع تسبيح الماء، وتسبيح الطيور، وتسبيح الرمال، وتسبيح الكائنات من حوله، فكان يعيش مع الله في كل لحظة وفي كل حين.
ونحن بسبب أننا لا نعلم ما بعد الموت تجد الواحد منا عندما يغضب من امرأته أو من أولاده يدعو ويقول: اللهم لا تردني إليهم.
نقول: لو أمنت الملائكة على دعائك لاستجيب لك، {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا} [الإسراء:١١]، فينبغي للمسلم ألا يدعو على نفسه بالموت؛ لأن المستعجل بالموت إما جاهل لا يدري ما بعد الموت، وإما رجل غير راضٍ بما قضى الله في الدنيا، فهو يائس قانط متضايق، وإما رجل اشتاق لما عند الله عز وجل.
يعني: عندما يمرض الإنسان يصير ذليلاً مستكيناً ضعيفاً خاضعاً بين يدي الله سبحانه، لكن كم من مريض وسقيم بقي دهراً: فكم من سليم مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر وكم من عروس زينوها لزوجها وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر إذاً: الموت لا يختص بعمر معين، وإنما يختص بالوقت الذي يريده الله.