للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلف يذكرون هذين الأصلين كثيراً ـ وهما الاقتصاد في الأعمال، والاعتصام بالسنة ـ فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره، فإن رأى فيه داعية للبدعة، وإعراضاً عن كمال الانقياد للسنة: أخرجه عن الاعتصام بها. وإن رأى فيه حرصاً على السنة، وشدة طلب لها: لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها، فأمره بالاجتهاد، والجور على النفس، ومجاوزة حد الاقتصاد فيها، قائلاً له: إن هذا خير وطاعة. والزيادة والاجتهاد فيها أكمل، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثه ويحرضه. حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها، فيخرج عن حدها، كما أن الأول خارج هذا الحد. فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الآخر.

(وهذا حال الخوارج الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم، وصيامهم مع صيامهم. وقراءتهم مع قراءتهم. وكلا الأمرين خروج عن السنة إلى البدعة. لكن هذا إلى بدعة التفريط والإضاعة. والآخر إلى بدعة المجاوزة والإسراف، وكلاً من الإفراط والتفريط في السوءِ سواءا.

[*] (قال بعض السلف: ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى تفريط، وإما إلى مجاوزة، وهي الإفراط، ولا يبالي بأيهما ظفر: زيادة أو نقصان.

وتأمل في الحديث الآتي ـ الذي يدعو إلى الاقتصاد في العمل ـ بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لكل عمل شِرَّة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك.

قال له ذلك حين أمره بالاقتصاد في العمل، فكل الخير في اجتهاد باقتصاد، وإخلاص مقرون بالاتباع.

وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (شِرَّة) الشرة: بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء أي حرصا على

الشيء ونشاطاً ورغبة في الخير أو الشر.

وقوله (لكل شرة فترة) الفترة بفتح الفاء وسكون التاء أي وهنا وضعفاً من الفتور،

والمقصود أن من سلك طريق التوسط والاعتدال نجا وأفلح لأنه يمكنه الدوام على ما ابتدأ من العمل، ومن غلا واشتد أولاً ثم فرط و أعرض أو أفرط فجاوز الحد الشرعي فقد هلك.

وهذا الحديث أصلٌ في الوسطية والاقتصاد في العمل من غير إفراطٍ ولا تفريط، والسنة طافحةٌ بالحث على ذلك منها ما يلي: (

<<  <  ج: ص:  >  >>