للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الاقتصاص من السبإيين الذين اشتركوا في دم عثمان وأوجب الإسلام عليهم الحد فيه، ولم يكن يخطر على بال عائشة وكل الذين كانوا معها - وفي مقدمتهم طلحة والزبير المشهود لهما من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة - أنهم سائرون ليحاربوا عليا، ولم يكن يخطر ببال علي أن هؤلاء أعداء له وأنهم حرب عليه. وكل ما في الأمر أن أولئك المتنطعين الغلاة لاذين انخدعوا بدعوة عبد الله بن سبا واشتركوا في قتل عثمان انغمروا في جماعة علي، وكان فيهم الذين تلقنوا الدعوة له وتتلمذوا على ذلك الشيطان اليهودي في دسيسة أوصياء الأنبياء ودعوى خاتم الأوصياء، فجاءت عائشة ومن معها للمطالبة بإقامة الحد على الذين اشتركوا في جناية قتل عثمان، وما كان علي - وهو ما هو في دينه وخلقه - ليتأخر عن ذلك، إلا أنه كان ينتظر أن يتحاكم إليه أولياء عثمان. وقبل أن يتفق الفريقان على ذلك شعر قتلة عثمان بأن الدائرة ستدور عليهم، وهم على يقين بأن عليا لن يحميهم من الحق عند ظهوره، فأنشب هؤلاء حرب الجمل، فكانت الفتنة الثانية بعد الفتنة الأولى. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (١٣: ٤١ - ٤٢ و ٤٤) معتمدا على كتاب (أخبار البصرة) لعمر بن شبة، وعلى غيره من الوثائق القديمة التي جاء فيها عن ابن بطال قول الملهب: « ... .. إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة وإنما أنكرت هي ومن معها على علي منعه من قتل قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم. وكان علي ينتظر من أولياء عثمان أن يتحاكموا إليه، فإذا ثبت على أحد بعينه أنه ممن قتل عثمان اقتص منه. فاختلفوا بحسب ذلك وخشي من نسب إليهم القتل أن يصطلحوا على قتلهم، فأنشبوا الحرب بينهم (أى بين فريقي عائشة وعلي) إلى أن كان ما كان».

ونجح قتلة عثمان في إثارة الفتنة بوقعة الجمل، فترتب عليها نجاتهم وسفك دماء المسلمين من الفريقين، وإنك لتجد الأسماء التي سجلها التاريخ في فتنة عثمان بقي يتردد كثير منها في وقعة الجمل، فيما بين الجمل وصفين، ثم في وقعة صفين وحادثة التحكيم، وفي هذه الحادثة الأخيرة اتسعت دائرة الغلو في الدين، فكثر المصابون بوبائه، وتفتننوا في مذهبه، إلى أن انتهى أمرهم بانشقاق (الخوارج) عن علي، وتميز فريق من المتخلفين مع علي