تحليل نفسيات المخدوعين بدعوة هذا الشيطان، ولا نريد أن ننقل ذم علي وطلحة والزبير لهم وما قالوه فيهم يوم نزل الثائرون في ذي خشب والأعوص وذي المروة، وكيف زور ابن سبأ وشياطينه رسالة على لسان علي بدعوة جماعة الفسطاط إلى الثورة في المدينة، فلما واجهوا عليا بذلك قالوا له: أنت الذي كتبت إلينا تدعونا، فأنكر عليهم أنه كتب لهم، وكان ينبغي أن يكون ذلك سببا ليقظتهم ويقظة علي أيضا إلى أن بين المسلمين شيطانا يزور عليهم الفساد لخطة مرسومة تنطوي على الشر الدائم والشر المستطير، وكان ذلك كافيا لإيقاظهم إلى أن هذه اليد الشريرة هي التي زورت الكتاب على عثمان إلى عامله بمصر بدليل أن حامله كان يتراءى لهم متعمدا ثم يتظاهر بأنه يتكتم عنهم ليثير ريبتهم فيه، فراح المسلمون إلى يومنا هذا ضحية سلامة قلوبهم في ذلك الحين. إن دراسة هذا الموضوع الآن على ضوء القرائن القليلة التي بقيت لنا بعد مضي ثلاثة عشر قرنا تحتاج إلى من يتفرغ لها من شباب المسلمين، وسيجدون مستندات الحق في تاريخهم كافية لوضع كل شيء في موضعه إن شاء الله.
فأول فتنة وقعت في الإسلام هي فتنة المسلمين بمقتل خليفتهم وصهر نبيهم الإمام العادل الكريم الشهيد ذي النورين عثمان بن عفان رضوان الله عليه. وقد علمت أن الذين قاموا بها وجنوا جنايتها فريقان: خادعون ومخدوعون. وقد وقعت هذه الكارثة في شهر الحج، وكانت عائشة أم المؤمنين قد خرجت إلى مكة مع حجاج بيت الله ذلك العام، فلما علمت بما حدث في مدينة الرسول أحزنها بغي البغاة على خليفة نبيهم. وعلمت أن عثمان كان حريصا على تضييق دائرة الفتنة، فمنع الصحابة من الدفاع عنه، بعد أن أقام الحجة على الثائرين في كل ما دعوه عليه وعلى عماله، وكان الحق معه في كل ذلك وهم على الباطل، وكان هو المثل الإنساني الأعلى في العدل وكرم النفس والنزول على قواعد الإسلام واتباع سننه وكان في مدة خلافته أكرم وأصلح وأكثر إنصافا وقياما بالحق واتباعا للخير مما كان هو عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. واجتمعت عائشة بكبار الصحابة، وتداولت الرأي معهم فيما ينبغي عمله - وقد عرف القراء ما كانوا عليه من نزاهة، وفرار من الولاية، وترفع عن شهوات النفس - فرأوا أن يسيروا مع عائشة إلى العراق ليتفقوا مع أمير المؤمنين علي على