للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه الإمامة فيمن عرضت عليهم عند مقتل عثمان في ذي الحجة سنة ٣٥ فهرب منها كما كان يهرب منها طلحة والزبير وعلي، ولم يتولها علي إلا قياما بواجب، ولم يستمدها من خرافات المنحرفين وسخافاتهم، بل من إرادة الأمة في ذينك اليومين (الخميس ٢٤ ذي الحجة، والجمعة ٢٥ منه) كما أعلن ذلك على رءوس الأشهاد وهو واقف على أعواد منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فعلي إلى تلك الساعة لم تكن له شيعة خاصة به يعرفها وتتصل به، ولم يخطر قط على باله أن يجعل أحدا من الناس شيعة له، لأنه هو نفسه وسائر إخوانه من الصحابة كانوا شيعة الإسلام الملتفة حول خلفاء نبيها - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر ثم عمر ثم عثمان. ولو حدثته نفسه باتخاذ شيعة خاصة به عند جمهور الأمة الذي يتشيع للبيعة العامة لكان ذلك نقصا منه لما عقد عليه صفقة يمينه لإمامه، وما طوق به من بيعة الإسلام لأصحابها، ولا شك أنه استمر على ذلك إلى عشية الخميس ٢٤ من ذي الحجة سنة ٣٥ للهجرة، كان أهلا لأن يستمر علي ذلك بأمانة وإخلاص. ولو لم يكن علي كذلك لما كان في هذه المنزلة السامية عند الله والناس. ومن الثابت عنه في عشية ذلك اليوم أنه كان يدافع الخلافة عن نفسه، ويحاول أن يقنع أخاه طلحة بن عبيد الله - أحد العشرة المبشرين بالجنة - بأن يتولى هو هذا الأمر عن المسلمين، بينما طلحة أيضا كان يدافعها عن نفسه ويحاول إقناع علي بان يكون هو حامل هذا العبء، القائم عن المسلمين بهذا الواجب. وانظر الحوار بينهما في ذلك كما رواه عالم من كبار علماء التابعين وهو الإمام محمد بن سيرين على ما أورده أبو جعفر الطبري في تاريخه (٦: ١٥٦ طبعة مصر و ١: ٣٠٧٥ طبعة هولندا) فيقول علي لطلحة «ابسط يدك يا طلحة لأبايعك» فيقول له طلحة «أنت أحق، فأنت امير المؤمنين، فابسط يدك».

وكاد الثائرون من جماعة الفسطاط والكوفة والبصرة يثبون بعلي وطلحة والزبير فيقتلونهم لهربهم من ولاية الأمر وتعففهم جميعا عن قبول الخلافة، فانتهى الأمر بقبول علي، وارتقى منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم التالي (الجمعة ٢٥ من ذي الحجة سنة ٣٥) فخطب خطبة حفظ لنا الطبري نصها (٦: ١٥٧ و ١: ٣٠٧٧) فقال: «أيها الناس عن ملأ وأذن إن هذا أمركم، وليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم. وقد افترقنا بالأمس على أمر (أي على