مَا خَلَقَ (الزَّكِيُّ) الْكثير الْخَيْر (السُّبُّوحُ) الَّذِي تنزه عَن كل سُوءٍ و (المُؤْمِنُ) الَّذِي آمَنَ الْعباد من ظُلْمِهِ لَهُم إِذْ قَالَ: (لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة) وَقيل الْمُؤمن الَّذِي وَحَّد نَفْسَهُ بقوله (شَهِدَ اللهُ أَنه لَا إِلَه إلَاّ هُوَ والملائكةُ) و (المُهَيْمِنُ) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه الأمينُ وَزعم بعضُ أهل اللُّغَة أَن الْهَاء بدل من الْهمزَة وَأَن أصلَه المُؤَيْمِنُ كَمَا قَالُوا إيَّاكَ وهَيَّاكَ وَالتَّفْسِير يشْهد بِهَذَا القَوْل لِأَنَّهُ جَاءَ أَنه الأَمِينُ وَجَاء انه الشَّهِيدُ فتأويلِ الشهيدِ أَنه الأمينُ فِي شهادَتِهِ وَقَالَ بَعضهم: معنى الْمُهَيْمِن معنى المُؤْمنِ إِلَّا أَنه أَشَدُّ مُبَالغَة فِي الصِفَّة لِأَنَّهُ جَاءَ على الأَصْل فِي المُؤَيْمِنِ إِلَّا أَنه قبلت الْهمزَة هَاء وفُخِّمَ اللفظُ لتفخيم الْمَعْنى قَالَ أَبُو عَليّ: أما قَوْلنَا فِي وصف الْقَدِيم سُبْحَانَهُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ فَإِنَّهُ يحْتَمل تأويلين أَحدهمَا: أَن يكون من أَمِنَ المعتدي إِلَى مفعول فَنقل بِالْهَمْز فتعدى إِلَى مفعولين فَصَارَ من أَمِنَ زيدٌ العذابَ وآمَنْتُهُ العذابَ فَمَعْنَاه المُؤْمِنُ عذابَه من لَا يسْتَحقّهُ وَفِي هَذِه الصّفة وَصْفُ الْقَدِيم بالعَدْلِ كَمَا قَالَ: (قَائِما بالقِسْطِ) وَأما قَوْله تَعَالَى المُهَيْمِنُ فَقَالَ أَبُو الْحسن فِي قَوْله: (مُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أَنه الشَّاهِد وَقد رُوِيَ فِي التَّفْسِير أَنه الأَمِينُ قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ: سَأَلت الْحسن عَن قَوْله تَعَالَى: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً علَيْهِ} [الْمَائِدَة: ٤٨] قَالَ: مُصَدِّقاً بِهَذِهِ الكُتُبِ وأَمِيناً عَلَيْهَا والمعنيان مُتقاربانِ أَلا ترى أَن الشَّاهِد أَمِينٌ فِيهَا شَهِدَ بِهِ فَهَذَا التَّأْوِيل مُوَافق لما جَاءَ فِي التَّفْسِير من أَنه الأَمِينُ وَإِن جعلتَ الشاهدَ خلافَ الغائبِ كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْله تَعَالَى: {لَا يَخْفَى علىَ اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} [غَافِر: ١٦] و {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السمواتِ} [سبأ: ٣] وَقَالَ: {وكُنَّا لِحُكْمِهِم شاهِدِينَ} [الْأَنْبِيَاء: ٧٨] وَقَالُوا إِنَّه مُفَيْعَلٌ مثل مُبَيْطَرٌ وأبدلت من الْفَاء الَّتِي هِيَ هَمزةٌ الهاءُ كَمَا أبدلت مِنْهَا فِي غير هَذَا الْموضع وروى اليَزِيدِيُّ أَبُو عبد الله عَن أبي عُبَيْدَةَ قَالَ: لَا يُوجد هَذَا البناءُ إِلَّا فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء مُبَيْطِرٍ ومُسَيْطِرٌ ومُبَيْقِرٌ ومُهَيْمِنٌ قَالَ أَبُو عَليّ: وَلَيْسَت الْيَاء للتصغير إِنَّمَا هِيَ الَّتِي لَحِقَتْ فَعَلَ فألحقته بالأربعة نَحْو دَحْرَجَ وَإِن كَانَ اللفظُ قد وَافَقَ اللفظَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَوله (العَزِيزُ) أَي الْمُمْتَنع الَّذِي لَا يغلبه شَيْء و (الجَبَّارُ) تأويلُه الَّذِي جَبَر الخَلقَ على مَا أرادَ من أمره وَقيل الجَبَّارُ العظيمُ الشأنِ فِي الْملك والسُّلْطانِ وَلَا يسْتَحق أَن يُوصَفَ بِهِ على هَذَا الإطلاقِ إِلَّا الله تَعَالَى فَإِن وُصِفَ بِهِ العبدُ فَإِنَّمَا هُوَ على وضع نَفسه فِي غير موضعهَا وَهُوَ ذَمٌّ على هَذَا الْمَعْنى (المُتَكَبِّرُ) الَّذِي تَكَبَّرَ عَن ظلم عباده وَقيل المُتَكَبِّرُ الَّذِي تكبَّر عَن كل سوءٍ عَن قَتَادَة والمُتَكَبِّرُ الْمُسْتَحق لصفات التَّعْظِيم (السَّلَامُ) اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى وَقيل السَّلامُ الَّذِي سَلِمَ الخلقُ من ظُلْمِهِ و (القَدِيرُ) القادرُ على كل شَيْء من القَدْرِ والقَدَرِ وَهُوَ القضاءُ والجمعُ أَقْدَارٌ وقَدَرَ على خلقه الأَمْرَ يَقْدِرُهُ ويَقْدُرُه قَدْراً وَقَدَراً وقَدَّرَهُ لَهُ وَعَلِيهِ وَقَدَرَ لَهُ الرِّزق والقَدَرِيَّة قوم يَجْحَدُون القدَرَ و (مَلِك يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ أَبُو عَليّ: هُوَ من المُلْكِ وَمَالك من المِلْكِ وَقيل أصلُه فِي الِاشْتِقَاق من الشَّدِّ والرَّبْطِ وَقيل من القُدْرَةِ والأوّل قولُ ابنِ السِّرَّاجِ وَالثَّانِي قَول أبي بكر أَحْمد بن عَليّ والتصريفُ يَطَّرِدُ فِي كلا الأَصْلَيْنِ فَمِنْهُ الاِمْلَاكُ ومَلَكْتُ بُضْعَ المرأةِ وَمِنْه قولُهم مَلَكْتُ العجينَ - إِذا شَدَدْتُهُ وقَوَّيْتُهُ وَمِنْه قَوْله:
(مَلَكْتُ بهَا كَفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يَرَى قَائمٌ من دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا)
فَإِن قَالَ قَائِل لم قطعتَ على أَنه من القُدْرَةِ وَهُوَ يطرد فِي كلا الْأَصْلَيْنِ فَالْجَوَاب أَن هَذَا معنى قد اشْتَقَّ لله عز وَجل مِنْهُ صفاتٌ فالوَجْهُ أَخْذَهُ من أشرف الْمَعْنيين إِذا اطَّرَدَ على الأَصْلَيْنٍ وَهُوَ الْقُدْرَة دون الْمَعْنى الآخر وَاخْتلفُوا فِي أيِّ الصفتين أَمْدَخُ فَقَالَ قومٌ مَلِكٌ أَمْدَحُ لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا مَعَ التَّعْظِيم والاحْتِوَاء على الْجمع الْكثير وَقد يملك الشيءَ الصَّغِير والجُزْءَ الحقير وَقَالَ قوم مالِكٌ أَمدح لِأَنَّهُ يجمع الاسمَ والفعلَ كَأَنَّهُمْ يذهبون إِلَى أَنه لَا يكون مَالِكًا لشَيْء لَا يملكهُ كَقَوْلِك مَلِكُ الْعَرَب ومَلِكُ الرُّوم وَقد تَقول مَالك المَال وَلَا تَقول مَلِكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute