للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (١).

قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وَلَقَدْ علمتم يا معشرَ اليهود، ما حَلّ مِن البأس بأهل القرية التي عصَت أمر الله وخالفوا عهدَه وميثاقه؛ فيما أخَذَه عليهم مِن تعظيم السبت والقيام بأمره، إذ كان مشروعاً لهم، فتحيّلُوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت، بما وضعوه لها من الشصوص (٢) والحبائل والبِرَك قبل يوم السبت، فلمّا جاءت يومَ السبت على عادتها في الكثرة؛ نَشِبَت بتلك الحبائل والحِيَل، فلم تخلُص منها يومها ذلك، فلمّا كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت، فلمّا فعلوا ذلك؛ مسَخَهم الله إلى صورة القِرَدة، وهي أشبه شيء بالأناسيّ في الشكل الظاهر، وليست بإنسانٍ حقيقة.

فكذلك أعمالُ هؤلاء وحيَلُهم لمّا كانت مشابِهةً للحقّ في الظاهر ومخالِفةً له في الباطن، كان جزاؤهم مِن جنس عملهم.

وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف، حيث يقول -تعالى-: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (٣)، القصة بكمالها".

وذكر أهل التفسير أقوالاً في المراد بقوله -سبحانه-: {لما بين يديها وما خلفها}.

وقد رجّح ابن كثير منها أنّ المراد مَنْ بِحَضْرَتِها من القرى التي يبلغهم


(١) البقرة: ٦٥ - ٦٦.
(٢) جمع الشِّص: وهو حديدة عقفاء، يُصاد بها السمك، "القاموس المحيط".
(٣) الأعراف: ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>