تعديلاً وتجريحاً، هو من موارد الاجتهاد، والتي يسَعُ فيها الخلاف، كما يَسعُ الخلافَ في المسائل الفقهية ونحوها.
فلا ينبغي أن يُعابَ على أحدٍ لمُجرَّدِ الاختلاف معه في الحكم على حديث، وإنما يُبَيَّنُ وجهُ الصواب بالحُجَّةِ والبرهان، مع الاحتفاظ بالتقدير والاحترام التَّام للمُخَالَف.
وكم رأينا العلماء قديماً وحديثاً يَستَدرِك بعضهم على بعضٍ، ويُخَطِّأُ بعضهم بعضاً، مع الاحترام والتقدير وعدم الطعن في الأشخاص.
ولا ادلَّ على ذلك من كتاب " التتبُّع " للإمام الدارقطني، وكتاب " مُوضِح أوهام الجمع والتفريق " للإمام الخطيب البغدادي، وغيرهما من كتب اهل العلم.
وكان شعارهم دائماً وأبداً، ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله: قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب.
وقال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولَقِيَنني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتَّفِق في مسألة.
ولله دَرُّ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما خالَفَ عثمان بن عفانٍ في مسألة الإتمام في السفر، ومع ذلك كان يُصلِّي وراءه بإتمام، فلما سُئِل عن ذلك قال: الخلاف شر. يقصد: الخلافَ الذي يُؤَدِّي إلى الشقاق والتناحر والتدابر.
وانظر إلى سفيان بن عيينة رحمه الله عندما ذَكَر مرَّة حديثاً فقيل له: إنَّ مالِكاً يُخالِفُك في هذا الحديث، فقال للقائل: أتقرِنُني بمالك!، ما أنا ومالك إلا كما قال جرير:
وابنُ اللَّبون إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ ... لم يَستَطِع صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعِيسِ