واستمرت الوزارة شاغرة أياماً -. فلما كان يوم الإثنين في أثناء هذا الشهر أخلع السلطان على الشمسى محمد البسباى ناظر الدولة وقرره في الوزارة عوضاً عن ابن البقرى (١)، فلما قرر البباي في الوزارة قامت على السلطان الأشلة بسبب ذلك وعد هذا من مساوئ الظاهر خشقدم، وهو أول زفورى تولى الوزارة بمصر ومن يومئذ انحط قدر الوزارة جداً وتبهدل هذا المنصب إلى الغاية، قال الإمام أبو شامة المؤرخ: كانت الوزارة على عهد الخلفاء وظيفة عظيمة جليلة وكان الوزير يجلس بحضرة الخلفاء على مقدار خمسة أذرع وكان هو المتصرف فى أمر المملكة بما يختار، فلما جاءت دولة الأتراك قدموا نيابة السلطنة على الوزارة فتلاشى أمر الوزارة من يومئذ وصارت الوزارة تنقسم على أربعة جهات منها كتابة السر والأستادارية ونظر الخاص وشاد الدواوين وغير ذلك من الوظائف المحدثة، فمن يومئذ تعطل جيد الدولة من عمودها وانحل برم عهودها، وقال الإمام أبو شامة: كانت خلعة الوزارة في قديم الزمان وهى عمامة بيضاء شرب برقمات ذهب شغل تنيس وطيلسان أبيض برقمات ذهب وجبة صوف أبيض بطرز ذهب وفى عنقه عقد جوهر بعشرة آلاف دينار وسيف مقلد به وهو مسقط بالذهب ويركب حجرة بخمسمائة دينار وفي قوائمها أربعة جوهرات وفى عنقها جوهرة كبيرة بألف دينار وترفع على رأسه أعلام حرير أبيض ويحمل على رأسه منشور الولاية وهو مكتوب في حرير أبيض، فبطل ذلك جميعه مع جملة ما بطل من من شعار الوزارة، فلما تولى البباي شق ذلك على الناس لكونه لم يكن من أهل ذلك، فكان كما قيل في المعنى:
مرض الزمان وقد تمسك طبعه … من شر قولنخ به يتمغس
حقنته آراء الملوك فجاءه … أهل المناصب كل شخص مجلس
وكان البباي أصله طباخاً من معاملين اللحم وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب وفي كلامه غرثلة وعنده عترسة، فلما رآه السلطان سداداً قرره في نظر الدولة
(١) انظر النجوم الزاهرة ص ٧٢٤ - ٧٢٥، وحوادث الدهور ص ٤٤٩.