للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القائلُ والبائعُ (١). وإن كانتِ القائلةُ أمةً ووطئِها المشترِي حُدَّتْ؛ لكونها حرةً، وأقرَّتْ عَلى ذلكَ، ولا مهرَ لها، ويلحَقُ الولدُ بمشترٍ (٢)؛ لأنهُ وطءُ شبهةٍ. ومن باعَ شيئًا بثمنٍ نسيئةٍ أو بثمنٍ حالٍ لم يقبَضْ، ثم إن البائعَ اشتراهُ بنقدٍ أو نسيئةٍ من جنسِ الأولِ بأقلَّ مما باعَه، حرُمَ ولم يصحَّ الشراءُ (٣). ولا يصحُّ العقدُ الأولُ إن قصدَ به الشراءَ ثانيًا (٤)؛ لأنه وسيلةٌ إلى الربَا وتسمَّى هذهِ: "مسألةُ العِينَةِ"، وعكسُها كذلكَ. وإن اشترَاه أبوهُ، أو ابنُه، أو وكيلُه، ونحوه صحَّ، ما لم يكن حيلةً (٥).

تنبيه: قالَ شيخُ الإسلامِ -الشيخُ تقيُّ الدينِ ابنُ تيميةَ-: "ويَحرُمُ علَى صاحِبِ الدَّينِ أنْ يمتَنِعَ منْ انتظارِ المعسِرِ حتَّى يقلِبَ عليهِ الدَّينَ (٦). ومتَى قالَ للمعسرِ: إمَّا أن تقلبَ وإمَّا أن تقُومَ معِي إلى الحاكِمِ وخَافَ أن يحبِسَهُ الحاكِمُ -لعدَمِ ثبوتِ إعسَارِه عندَه وهُو معسِرٌ- فقَلَبَ على هذَا الوَجْهِ كانتْ هذِه المقَابَلَةُ حرَامًا غيرَ لازِمَةٍ باتّفَاقِ المسلمِينَ؛ فإنَّ الغرِيمَ مُكرَهٌ عليهَا بِغيرِ حَقٍّ. ومَنْ نَسبَ جَوازَ القَلْبِ على المعْسِرِ بِحِيلَةٍ مِنَ الحِيلِ إِلى مذْهَبِ بعْضِ الأَئِمَّةِ فقدْ أخْطَأَ في ذلكَ وغَلطَ، وإنما تَنازَعَ الناسُ في المعَامَلاتِ الاختيَارِيَّةِ مثلِ التَّورُّقِ والعِينَةِ". انتهى (٧). وهذا ظاهرٌ.


(١) تقدمت هذه المسألة في بداية كتاب البيع.
(٢) انظر: الإنصاف ٤/ ٢٦٧، المبدع ٤/ ٤٤، شرح منتهى الإرادات ٢/ ٢٥.
(٣) انظر: المقنع ١٥٦، الوجيز ١٧٦، الروض المربع ٢/ ٥٣.
(٤) انظر: التنقيح المشبع ١٢٦، الإقناع ٢/ ١٨٤، غاية المنتهى ٢/ ٢٠.
(٥) وكذا: لو اشتراه بعد تغير صفته، أو بعد قبض ثمنه، أو اشتراه بغير جنسه، فالبيع في كل ذلك جائز. انظر: الشرح الكبير ٤/ ٤٦، الوجيز ١٧٦، الإنصاف ٤/ ٣٣٧.
(٦) قلب الدين هو حيلة من الحيل التي يراد التوصل بها إلى زيادة الدين في ذمة المدين. ومن صوره التي تحقق هذا المبدأ: أن يكونَ على الرجل دينٌ بعشرين ألف، فيعجزُ عن سدادها في أجلها، فيبيعُه الدائنُ سلعةً بخمس وعشرين ألفًا إلى أجل، ثم يشتريها منه بعشرين ألف حالة، فإذا ما قبضَ المدينُ المبلغَ أوفى الدائن دينه القديم بها، وبقي في ذمته الدين الجديد (خمس وعشرين ألفًا). ومن صوره: أن يعجزَ المدينُ عن سدادِ الدَّين فيجعلُ الدائنُ دينَه ثمنَ سلم في طعام ونحوه يكون في ذمةِ المدين. وهذا محرم لأنه بيع دَين بدَين. وربما صحَّحوا ذلك -توهمًا منهم- بتسليم رأس مال سلم جديد في مجلس العقد، لكنه يشترط عليه أن يوفيه دينه منها في المجلس. وهذا ليس فيه تصحيح. انظر: الدرر السَّنية ٦/ ١١٢ وما بعدها.
(٧) لم أجده عنه بهذا اللفظ. وانظر كلامه في قلب الدين بالدين: مجموع الفتاوى ٢٩/ ٤١٨، ٢٩/ ٤٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>