النثا: اسم يقع على ما يذكر به الرجل من خير وشر, وهو هاهنا من الخير. والمعنى: أن هذا الممدوح إذا غاب عن مكان فإنه يذكر فيه بذكرٍ حسنٍ فكأنه شاهد.
وقوله:
كيف لا تأمن العراق ومصر ... وسراياك دونها والخيول
السرايا جمع سريةٍ, وأصل ذلك لقومٍ يبعثون ليلًا فيسرون فيه, ثم كثر ذلك حتى قيل للجماعة التي يرسلها الجيش إلى العدو: سرية, وإن كان سيرها بالنهار. وأنث العراق على معنى البلدة والأرض, وهذا البيت يجوز فيه وجهان: التذكير والتأنيث وهو: [البسيط]
إن العراق لأهلي لم يكن وطنًا ... والباب دون أبي غسان مسدود
وكذلك الشام يجوز فيه التذكير والتأنيث, قال الأعشى: [الخفيف]
وصحبنا من آل جفنة أملا ... كًا كرامًا بالشام ذات الرفيف
وأنشد الفراء في تذكير الشام: [الطويل]
يقولون إن الشام يقتل أهله ... ومن لي إن لم آته بخلود
تغرب آبائي فهلا صراهم ... من الموت أن لم يشئموا وجدودي
وقوله:
لو تحرفت عن طريق الأعادي ... ربط السدر خيلهم والنخيل
يقول: لو ملت عن طريق الأعداء لساروا حتى يربطوا خيلهم في السدر والنخيل, وكأنه قلب المعنى فجعل السدر والنخيل يربط خيول الأعداء, كما تقول: سآني أمر كذا أي وقع السوء فيه, فهذا وجه. وفيه معنى آخر وهو أن يكون يصف الممدوح بالسعادة؛ فلو تحرف عن طريق من يعاديه؛ لكان السدر والنخيل يربط خيولهم أن تنفسخ في البلاد, وهذا نحو من قول الآخر: [الرمل]
تركوا جارهم يأكله ... ضبع الوادي وترميه الشجر