للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووصل فرسان المسلمين في ثالثة من النهار/٣٣١ ب/إلى قرب الجيش فوقعوا ناظرين، وعلموا أنّ الله محيط بالكافرين، فلما رآهم أعداء الله أدركهم العجب والاغترار، وخرج وزير سلطانهم فقال للمسلمين: ما هذا العار تشغبون السلطان قبل غدائه وتشغلونه عن عيده بقتال أعدائه، وما جئنا إلاّ برسمكم وفساد ثمركم وزرعكم فلوذوا بالأوطان، واتّقوا غضب السلطان لئلاّ يغيظ عليكم فيركب، ولا ملجأ لكم منه ومهرب، فعند ذلك حصل للشيخ أبي سعيد حال أخرجه عن عقله، فنزل عن فرسه باكيا متضرّعا إلى ربّه، وعلت أصوات المسلمين إلى الله بالدعاء والضجيج، وأخذ أعداء الله في العجاج والعجيج.

ثم وقف الشيخ أبو سعيد فرأى من كان بقي بغرناطة من الفرسان واصلا على إثره، وكل من معه واقفا عليه ومستطلعا لنظره، فذكر الله تعالى وصلّى على نبيّه وحرّض المسلمين على جهاد عدوّه، واستعاذ وقرأ {يَسْتَبْشِرُونَ} (١)، و {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (٢). ثم رجع للصلاة والدعاء والرغبة من الله في النصر على الأعداء. وعند ذلك ركب جيش الروم بكلّيّته، ومال على المسلمين بجملته، ولم يعلموا برجال المسلمين الغادية، فتركوا الجهة العليا من المنزلة خالية، وجاءوا إلى جيش المسلمين وهم على فنائه معوّلين، فما راع المسلمين بحمد الله حالهم من الدنوّ والقرب. {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (٣).

واستمرّ الشيخ أبو سعيد على تتميم ركوعه، ووقف كلّ من معه منتظرا لركوبه وطلوعه، ولما رأى أعداء الله المسلمين قد صبروا وثبتوا توقّفوا وبهتوا، وخرج من الفريقين فرسان يحرّكون القتال، ووجّه الشيخ فأمرهم أن يسبوا طرف المحلّة، فأفادت الحيلة، وتمكّنت العلّة. واستشهد في خلال ذلك أمير رنده، واختار الله تعالى له ما عنده، وعلم نيّته في الجهاد فأتمّ قصده، فاجتهد قرابته في طلب الثأر، واستعانوا بالواحد القهّار، وحصحص الحقّ، واتّسع على أعداء الله الخرق، /٣٣٢ أ/وعلم أنّ ما أراده الخالق فلا يردّه الخلق، وظهر في المحلّة النار، وتواصلت لهم برجال المسلمين الأخبار، فمالوا بحملتهم إلى المحلّة مسرعين، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وجاءهم من كل الجهات الموت، وفزعوا فلا فوت، وتحكّمت سيوف الله من رقابهم، وحلّ البلاء بصغيرهم وكبيرهم، فما زال المسلمون يقتلون في الموضع من الساعة السابعة إلى الغروب، ويحمدون الله على نيل المرغوب.

ولما دخل الليل وأظلم طمع بعضهم في الهروب، ليسلم، فتقدّم المسلمون إلى


(١) سورة آل عمران، الآية ١٧١.
(٢) سورة الشعراء، الآية ٢٢٧.
(٣) سورة آل عمران، الآية ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>