اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} فسَمِعَ كلامها بموجب منزلته من منزلتها، وربَّما كان ـ - عليه السلام - ـ لا يعلم عن تدبيراتها وترتيباتها هذه، فطَلَعَ عليهنَّ كأنَّه البدرُ في ليلة التَّمام، فقد كان ـ - عليه السلام - ـ على حظٍّ وافرٍ من الحُسْنِ وجمال الرُّجولةِ.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} وأجللنه، وبُهِتْنَ لطلعته، وهالهنَّ أمره، وذُهِلْن لجماله، ولشغلهنَّ به فقدْنَ المشاعر والأحاسيس والمدارك، واختلطت عليهن الأمور، ولم يفرِّقْن بين أيديهن وما بها {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} استعارة تصريحيَّة، فقد استعار لفظ القطع عن الجرح، أي جرَّحنها بما في أيديهن من السَّكاكين، وصِرْنَ مخضوباتِ البَنَان وهنَّ لا يشعرن ولا يدرين.
{وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} كلمةُ تنزيه عبَّرْنَ فيها عن الدَّهشة البالغة من عظمة صنع الله تعالى {مَا هَذَا بَشَرًا} وهو من باب المغالاة والمبالغة، فقد كان بشراً {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)} ولم يكن ملكاً، وإنَّما هو وَصْفُ مدح؛ لأنَّ الملائكة موصوفة بالجمال والطَّهارة بخلاف الشَّياطين الموصوفة بالقبح والنَّجاسة، وقد ركز ذلك في الأذهان، وإن كان لم يرهما أحد.
وفي هذه التَّعبيرات إشارة إلى وجود بقايا من دين الله تعالى، دين التَّوحيد الَّذي جَاءَ به الرُّسُلُ جميعاً.
فلمَّا طوَّقت امرأةُ العزيز مكرَهنَّ وانتصرت عليهنَّ {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} فانظرن ماذا أصابكن من رؤيته {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} وامتنع وتحفَّظ تحفُّظاً شديداً كأنَّ فيه عصمة، وهذا اعتراف صريح منها على براءة يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ وعلى ما في نفسِها من الهوى له.
ثمَّ قالت أمام الملأ مُهَدِّدة متوعِّدة {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ} به فيما سيأتي