للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان الأمر على هذا فما ذكره هذا القائل غير صحيح، لأني قد أريتكه بعد وهو غايةٌ خبراً، وكونه صلةً تابعٌ لكونه خبراً، فاعلمه.

وقال المساور بن هندٍ

أودى الشباب فماله متقفر ... وفقدت أترابي فأين المغبر

يقول: أدبر الشباب وولى، فهو فائتٌ لا يتتبع، ومطلوبٌ لا يلحق، وعدمت نظرائي وأقراني، فأين بقائي بعدهم، وكيف خلاصي مما اخترمهم وأفناهم. وهذا الكلام توجعٌ وتحسرٌ لما تقضى من شبابه، وعنفوان عمره وتقدم من أقرانه ولداته. أي إذا خلوت منهم، وصرت عائشاً في غيرهم فكم عسى أن أبقى بعدهم. ويقال غير إذا مضى، وغير إذا بقي. ويريد بالمغبر هنا البقاء، ويقال: اقتفرت الشيء وتقفرته، إذا تتبعته.

وأرى الغواني بعدما أوجهني ... أعررضن ثمت قلن شيخٌ أعور

الغواني: جمع غانيةٍ، وهي التي تستغني بزوجها عن الرجال، وقيل هي التي تستغني بمحاسنها عن التزين بالحلى. وقال أبو عبيدة: هي المتزوجة، وأنشد لجميل بن معمرٍ:

حبت الأيامى إذ بثينة أيمٌ ... فلما تغنت أعلقتني الغوانيا

وأنشد ابن الأعرابي:

أزمان ليلى كعابٌ غير غانيةٍ

والشاعر يقول متشكياً من الشيب المعتاض من الشباب، ومن الضعف التابع لصحة الجسم، ومن السقوط والانحطاط بعد الجاه عند الغانيات: أرى النساء بعدما كن يجعلن لي عندهن جاهاً أعرضن عني واطرحنني، وأبدلنني بالحمد ذماً، وبالتسمية تلقيباً ونبزاً، فمتى ذكرت عندهن قلن هو شيخٌ أعور. وقوله " أوجهنني " من الوجاهة: المنزلة. يقال وجه وجاهةً، ووجهني السلطان وأوجهني: جعل لي جاهاً ومنزلة.

<<  <   >  >>