سور مدينة واسط، فلما كانت الليلة التي أراد أن يخرجوه فيها من الحبس أفضوا النقب إلى الحبس فخرج من الحبس في السرب، ثم خرج إلى الدار يمشي، حتى بلغ الدار التي إلى جانب حائط المدينة وقد نقب فيها، ثم خرج في السرب منها حتى خرج من المدينة، وقد هيئت له خيل خلف حائط المدينة فركب وعلم به بعدما أصبحوا، وقد كان أظهر علةً قبل ذلك لكي يمسكوا عن تفقده كل وقت، فأتبعه خالد سعيدًا الحرشي فلحقه وبينه وبينه الفرات، فتعصب له وتركه، وقال الفرزدق:
ولما رأيتَ الأرض قد سُدَّ ظهرُها ... ولم يك إلا بطنها لك مخرجًا
دعوتَ الذي ناداه يونس بعدما ... ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا
خرجتَ فلم يمنن عليك شفاعة ... سوى ربك البر اللطيف المفرِّجا
وأصبحت تحت الأرض قد سرت ليلة ... وما سار سارٍ مثلها حين أدلجا
وعن خازم مولى عمر بن أبي هبيرة قال: كنت مع عمر بن هبيرة حيث هرب من السجن فبلغنا دمشق بعد عتمة، فأتى مسلمة بن عبد الملك (١)، فأجاره وأنزله معه في بيته، وصلى مسلمة بن
(١) مسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي: الأمير الضرغام قائد الجيوش، يلقب بالجرادة الصفراء، له مواقف مشهودة مع الروم وهو الذي غزا القسطنطينية، وكان ميمون النقيبة، وقد ولي العراق لأخيه يزيد ثم أرمينية، قلت - والكلام للذهبي: كان أولى بالخلافة من إخوته. [السير للذهبي ٥/ ٢٤١ - ٢٤٢].