للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الأوزاعي: فقد اختلفت الرواية عنه: فرواه الوليد بن مسلم، وموسى بن شيبة، وقالا فيه: أن هلال بن يساف حدثه [يعني: حدث عبدة بن أبي لبابة]؛ أنه سأل عائشة، ... ، فجعل السائل هو هلال بن يساف.

بينما رواه عنه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، وقال فيه: حَدَّثَنِي ابن يساف، قال: سئلت عائشة، فأبهم السائل؛ وأشعر بوجود واسطة بين هلال وعائشة.

ثم رواه على الصواب، وضبط الإسناد: وكيع بن الجراح، فقال فيه: عن هلال بن يساف، عن فروة بن نوفل، عن عائشة. فأثبت الواسطة، وتابع منصورًا وحصينًا.

ومسلم عمد إلى إخراج حديث وكيع دون حديث أصحاب الأوزاعي، وذلك لكون وكيع بن الجراح من أحفظ الخلق، قال فيه أحمد: "كان مطبوع الحفظ، وكان وكيع حافظًا حافظًا، وكان أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيرًا كثيرًا"، وقال فيه أيضًا: "ما رأيت مثل وكيع في الحفظ والإسناد والأبواب، مع خشوع وورع"، وقد تتابع العلماء والمحدثون في الثناء على وكيع بما يطول المقام بذكرهم، حتى إن مجالس الحديث بمكة كانت تخلو من أصحابها إذا قدم عليهم وكيع، والحاصل: أن وكيعًا قد ضبط الرواية التي تحملها عن الأوزاعي، وحدث كلُّ واحد من أصحاب الأوزاعي بالوجه الذي تحمله عنه، وهنا يظهر لي: أن الأوزاعي وقع له شيء من الاضطراب في إسناد هذا الحديث، فكان مرة يضبطه بذكر الواسطة، ومرة يقصر به، والعهدة في هذا كله على الأوزاعي نفسه، وأنه قد قصر بإسناده لما أسقط فروة من الإسناد، كذلك فانه يلاحظ أن هذا الحديث لم يروه عن الأوزاعي جملةٌ وافرة من أصحابه، كما يقع لنا كثيرًا في حديث الأوزاعي، فتجد أصحابه يتتابعون على رواية الحديث الواحد، وبنتشر حديث أصحابه بين الناس، بينما هذا الحديث؛ فإني لم أقف له سوى على رواية الوليد بن مسلم، ورواية أبي المغيرة أعلى اختلاف بينهما على الأوزاعي]، ورواية موسى بن شيبة، وهو: مجهول، ليس من أصحاب الأوزاعي، بينما زاد الدارقطني في العلل رواية محمد بن يوسف الفريابي، وزاد في التتبع رواية ابن أبي العشرين والوليد بن مزيد، ولم أقف على شيء من ذلك، والحاصل: فإن أصحاب الأوزاعي قد اختلفوا عليه، وأضبطهم للرواية المحفوظة: وكيع، كما يدل عليه صنيع مسلم.

وحاصل ما تقدم أنه لا عتب على مسلم في إخراج رواية وكيع عن الأوزاعى، والتي أصاب فيها، دون الرواية التي انتشرت عند أصحاب الأوزاعي وقد قصر بإسنادها؛ فالصواب فيما ذهب إليه مسلم، وأخطأ الدارقطني حين تتبع هذا الحديث على مسلم، وانتقده عليه، فقال في التتبع (٢١٦): "وأخرج أيضًا عن عبد اللّه بن هاشم، عن وكيع، عن الأوزاعي، عن عبدة، عن هلال، عن فروة، عن عائشة، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل".

قال أبو الحسن: هذا حديث مسلم لم يسنده غير وكيع، وخالفه ابن أبي العشرين، والوليد بن مسلم، والوليد بن مزيد، وأبو المغيرة، وغيرهم: لم يذكروا فيه فروة،

<<  <  ج: ص:  >  >>