للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

"صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم أفضل الصيام عند الله، صوم داود -عليه السلام-، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا". [اخرجه مسلم (١١٥٩/ ١٩٢)، وتقدم في الطريق رقم (١٦)].

وقد تأوله بعضهم بخلاف ظاهره؛ بأن الأجر ما بقي من الشهر في جميعها؛ لأن نيته كانت صوم جميعه، فمنعه منه ما حضه عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأبقاء على نفسه، وحقوق زوره، وأهله، فبقي أجر نيته في صومه [انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (٤/ ١٢٩)، غريب الحديث للخطابي (١/ ٥١٢)].

قال ابن حبان (٣٦٥٨): "قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صم يومًا من كل شهر ولك أجر ما بقي ": يريد أجر ما بقي من العشرين، وكذلك في الثلاث، إذ محال أن كدَّه كلما كثر كان أنقص لأجره".

قلت: وهذا مخالف لعامة الروايات عن عبد الله بن عمرو:

ففي الصحيح مثلًا: "وإن بحسبك أن تصوم كلَّ شهرٍ ثلاثةَ أيام، فإن لك بكل حسنةٍ عشرَ أمثالها، فإن ذلك صيامُ الدهر كلِّه" [البخاري (١٩٧٥)].

وفيه أيضًا: "وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر" [البخاري (١٩٧٦ و ٣٤١٨)، مسلم (١١٥٩/ ١٨١)].

وقد فسره الطحاوي في المشكل (١٥/ ١٣٠) على ظاهره موافقًا لقول مطرف؛ بناء على ما يحصل له من الضعف بسبب الصوم، وما يترتب عليه من الإخلال ببعض الحقوق والعبادات؛ فكان له الأجر كاملًا مع بقاء قوته، ثم نقص أجره بقدر ما نقص من قوته. [وانظر: غريب الحديث للخطابي (١/ ٥١٢)].

قلت: خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو كان لسابق علمه بأنه سوف يعجز عن الاستمرار على عمله هذا إذا كبر؛ كما أقر بذلك عبد الله بن عمرو بعدما كبر، ولذا أرشده لما هو أنفع له، ولما يتناسب مع قدرته، فكان يكفيه أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها، بحيث لا يقع منه التقصير في الواجبات؛ لكن ذلك لا يعني بإطلاقِ أن من زاد في العمل نقص في الأجر بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحبُّ الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه" [أخرجه البخاري (١١٣١ و ٣٤٢٠)، ومسلم (١١٥٩/ ١٨٩)، وتقدم برقم (٧) ولذلك فإنه قد قيده في الرواية الأخرى بقوله: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى"، يعني: أن صومه هذا لم يكن يحدث له خللًا في بقية وظائفه وواجباته، ولذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نبه عبد الله بن عمرو على ما سوف يترتب على فعله هذا، وهو التقصير في حق النفس والعين والأهل والزور؛ فقال: "فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا"، بينما لم يقع ذلك لداود، فجمع بين الأمرين فاكتمل له الأجر، مع زيادة العمل، لأجل عدم تقصيره في بقية الحقوق

<<  <  ج: ص:  >  >>