بذلك الحديث إليه، وعليه: فحديث عمرو بن مرة هذا يعتبر متابعة قوية لحديث حصين عن مجاهد عن ابن عمرو، والله أعلم.
* فإن قيل: قال ابن أبي حاتم في العلل (٥/ ٢٠٨/ ١٩٢٧): "وسألت أبي عن حديث رواه حصين، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لكل عمل شرة، ثم يصير إلى فترة، فمن صارت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل"؟
قال أبي: روى هذا الحديث مسلم الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ورواه الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مرسل.
وقد اختلفوا في هذا الحديث أيضًا؛ حديث الحكم بن عتيبة:
فأما ابن أبي ليلى فإنه يقول: عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والناس يقولون: عن الحكم، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مرسل.
قال أبي: وحديث عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل، أشبه".
قلت: الأشبه أن ترجيح أبي حاتم الأخير متعلق بالاختلاف على الحكم بن عتيبة حسب، فقد رواه شعبة عنه مرسلًا، ووصله محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وليس هو بالقوي، ولا شك أن رواية شعبة المرسلة هي الصواب من حديث الحكم؛ لا سيما وأن أبا حاتم لم يعرض في كلامه لحديث منصور، ولا لحديث عمرو بن مرة مع اشتهار طرقها.
وشعبة هنا قد رواه عن الحكم مرسلًا، وعن حصين موصولًا، وهو محفوظ عنه بالوجهين، ثم إن حصينًا لم يتفرد بوصله عن مجاهد، فقد تابعه عليه عمرو بن مرة، فتبين بذلك صحة حديث حصين، وأما حديث مسلم الملائي فهو حديث منكر؛ كما تقدم بيانه.
والحاصل: فإن هذه الجملة: "فإن لكل عابد شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فإما إلى سُنَّةٍ، وإما إلى بدعةٍ، فمن كانت فترته إلى سُنَّةٍ فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".
حديث صحيح؛ ثبت من حديث: حصين بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، وتابعه عليه: عمرو بن مرة، عن مجاهد، قال: ذكر عبد الله، ومن حديث: محمد بن إسحاق، عن أبي الزبير، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو، وقد كان لمجاهد فيه ثلاثة أسانيد، أحدها متصل، وهو هذا، والآخران مرسلان، ومثله يحتمل منه التعدد؛ لحفظه وضبطه، كما أن الرواة عنه كلهم ثقات، والله أعلم.
ولا يستغرب هذا؛ فإن شعبة مثلًا قد روى حديث عبد الله بن عمرو هذا من وجوه متعددة، وكلها محفوظة عنه، وبعضها في الصحيح: