للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الراحلة، ثم أورد حديث الجارود عن أنس هذا، ثم قال: "فهذا الحديث كأنه في الظاهر خلاف تلك الأحاديث، وإنما الوجه في ذلك: أن هذا مفسِّرٌ لتلك الأحاديث" [الناسخ (٢٦٨ - ٢٧٤)].

كذلك فقد احتج الإمام أحمد بحديث أنس هذا، قال أبو داود في مسائله لأحمد (٥٣٤): "سمعت أحمد يقول: إذا تطوع الرجل على راحلته؛ يعجبني أن يستقبل القبلة بالتكبير؛ على حديث أنس".

وقال في مسائل صالح (٣٢): "يصلي حيثما توجهت به، ويعجبني أن يستقبل القبلة في أول صلاته".

وفي مسائل عبد الله (٢٤٩) قال: "سمعت أبي يقول في الرجل يصلي التطوع على ظهر الدابة أينما توجهت به: ولكن إذا كبر جعل وجهه إلى القبلة. . .".

وقال في مسائل ابن هانئ (٣٢٧): "إذا توجه وكبر افتتاح الصلاة وهو إلى القبلة؛ لم يضره أين توجهت به القبلة، أو: توجهت به لغير القبلة، في التطوع".

* قلت: نقول بذلك إذا ثبت الدليل، وكان يحمله إسناد قوي، يمكن أن تعارض به هذه الطرق الصحيحة المتكاثرة عن ابن عمر وجابر وأنس وعامر بن ربيعة.

وقد شُرع القصر والجمع في السفر رفعًا للمشقة عن المسافر وتخفيفًا عليه، ثم حبب إليه التنفل وعدم الانقطاع عنه بجعله على الراحلة، بحيث لا تقطعه صلاته عن مواصلة سيره، فلما كانت أحكام السفر مبناها على التخفيف ورفع الحرج، فكيف يكلف بعد ذلك ما فيه مشقة وكلفة على المسافر بإيقاف دابته ثم تحويلها إلى القبلة ليُحرِم بالصلاة ثم يواصل سيره إلى جهته أينما كانت، فلما كان هذا الحكم مخالفًا لأصل ما شرعت له صلاة المسافر وما بنيت عليه من التخفيف، لزم أن يثبت الاستقبال لدينا بإسناد قوي لمجيئه على خلاف أصله من التخفيف؛ إذ لا فرق بين الاستقبال عند الإحرام، وبين الاستقبال أثناء الصلاة؛ بدليل أن من صلى على الأرض وهو مسافر، أو كان مقيمًا فأحرم مستقبلًا القبلة ثم انحرف عنها في أثناء صلاته بطلت صلاته، فكيف نثبت هذا الحكم بهذا الإسناد لا سيما مع مجيء النقل بأسانيد صحيحة مشهورة متعاضدة متكاثرة؛ بل بلغت الغاية في الصحة والشهرة، على أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلي على راحلته أينما توجهت به، من حديث ابن عمر وجابر وأنس وعامر بن ربيعة، وليس في حديث أحد منهم أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استقبل القبلة عند إحرامه بالصلاة، أو أنه فرق بين تكبيرة الإحرام وبين ما عداها، وهذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، ولا يخفى مثله عن فقهاء الصحابة، ولا عن هؤلاء النقلة، بل إنهم نقلوا أمورًا هي أدنى في الملاحظة من شأن الاستقبال الملفت للأنظار، مثل: التفريق بين النافلة والمكتوبة في النزول، ومثل: التسوية بين السبحة والوتر في الصلاة على الراحلة، بل وذكر بعضهم أن ابن عمر كان ينزل أحيانًا للوتر، ومثل: بيان صفة الركوع والسجود على الراحلة، بكون السجود أخفض من الركوع، وأنه يومئ إيماءً،

<<  <  ج: ص:  >  >>