قلت: وهذه الرواية بذكر السفر أولى بالصواب؛ لكون يعلى بن عبيد أحفظ، ولموافقته في هذه الرواية جماعة الحفاظ من أصحاب نافع الذين رووه بذكر السفر، لكن يبقى أن يقال بأن: رواية ابن إسحاق عن نافع هذه شاذة بهذا السياق، والله أعلم.
وانظر فيمن وهم في إسناده على نافع، فجعله من مسند عمر:
ما أخرجه أبو بكر النجاد في مسند عمر (٦٢) [وفي إسناده: محمد بن عبد الرحمن بن مجبر، وهو: متروك، واهي الحديث. اللسان (٧/ ٢٧٨)].
وأما حديث يحيى بن سعيد الأنصاري:
فيرويه أبو خيثمة زهير بن حرب، وجرير بن عبد الحميد، وأبو الأحوص سلام بن سليم [وهم ثقات أثبات]، وسويد بن عبد العزيز [ضعيف]:
عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر، قال: كنا إذا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فكانت ليلة ظلماء أو ليلة مطيرة؛ أذَّن مؤذِّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو نادى مناديه أن: "صلوا في رحالكم".
أخرجه ابن "خزيمة (٣/ ٧٩/ ١٦٥٦)، وابن حبان (٥/ ٤٣٩/ ٢٠٨٤)، ولوين في جزء من حديثه (٧٨)، وأبو يعلى (١٠/ ٤٠/ ٥٦٧٣)، وأبو العباس السراج في مسنده (١٤٥٦ و ١٤٦٦ و ١٤٦٧)، والطبراني في الكبير (١٢/ ٢٧٦ / ١٣١٠٢ و ١٣١٠٣).
وهذا إسناد صحيح، ورواية القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن ابن عمر في الصحيحين [البخاري (١٠٤٢)، مسلم (٩١٤)].
لكن قال الدارقطني في العلل (١٣/ ٢٠٢/ ٣٠٩٣): "رواه أبو الأحوص سلام بن سليم، وجرير بن عبد الحميد، عن يحيى، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر.
وغيرهما يرويه عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، وهو المحفوظ".
ثم قال بعد أن عدد من رواه من حديث نافع عن ابن عمر: "وهو صحيح من حديث نافع، وقول أبي الأحوص وجرير بن عبد الحميد: عن يحيى عن القاسم بن محمد: غير محفوظ".
قلت: لم أقف على من رواه عن يحيى بن سعيد عن نافع غير سويد، ولم يسمِّ لنا الدارقطني أحدًا ممن رواه على هذا الوجه على عادته في سرد الخلاف، ولو كان مشهورًا من رواية الثقات عن يحيى بن سعيد عن نافع لوصل إلينا، ولو من طريق واحد صحيح، وليس من السهل توهيم ثلاثة من الحفاظ رووه عن يحيى، عن القاسم، عن ابن عمر، لا سيما وقد اعتد بروايتهم أبو داود، ورأى روايتهم محفوظة، وإلا لما استشهد بها، ولو صح عن يحيى الوجه الآخر؛ لقيل بأن ليحيى فيه إسنادين، فإنه ممن يحتمل التعدد في الأسانيد، والله أعلم.
***