للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دحاني دَحيةً، وقام في مقامي، فلما سلَّم عمرُ، قال: ساءك ما صنعتُ بك؟ قلت: نعم، قال: إنا كنا نؤمر بالصف الأول، فنظرت في وجوه القوم، فلم أنكر أحدًا غيرك، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبي بن كعب.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سعيد أخي أبي حرة إلا زيد بن الحباب".

قلت: وعلى هذا فيكون شيخ الطبراني وشيخه قد توبعا عليه، وعليه: فرجاله ثقات، غير أن أبا حرة واصل بن عبد الرحمن: كان يدلس عن الحسن البصري، والحسن مات بعد قيس بن عباد بقرابة ثلاثين عامًا، وبين وفاة قيس بن عباد وأبي حرة: قرابة سبعين سنة، فعلى هذا يكون الحديث منقطعًا، وهو صالح في المتابعات، والله أعلم.

• وروى الحسن بن بشر البجلي: ثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن قيس بن عباد، قال: شهدت المدينة، فلما أقيمت الصلاة تقدمت فقمت في الصف الأول، فخرج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فشق الصفوف ثم تقدم، وخرج معه رجل آدم خفيف اللحية، فنظر في وجوه القوم، فلما رآني دفعني وقام مكاني، واشتد ذلك عليَّ، فلما انصرف، التفت إليَّ فقال: لا يسوؤك، ولا يحزنك، أشق عليك أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقوم في الصف الأول إلا المهاجرون والأنصار"، فقلت: من هذا؟ فقالوا: أبي بن كعب.

أخرجه الحاكم (٣/ ٣٠٣ - ٣٠٤).

قال الحاكم: "هذا حديث تفرد به الحكم بن عبد الملك عن قتادة، وهو صحيح الإسناد".

قلت: بل هو حديث منكر؛ إذ كيف يصح وقد تفرد به عن قتادة: الحكم بن عبد الملك؟ وقد روى الحكم هذا عن قتادة غير حديثٍ لم يتابع عليه، وهو: ضعيف؛ قليل الرواية عن قتادة، ينفرد عنه بما لا يتابع عليه [ضعفاء العقيلي (١/ ٢٥٧)، الجرح والتعديل (٣/ ١٢٢)، علل الحديث (١/ ٢٠٤/ ٥٨٧)، التهذيب (١/ ٤٦٦)] [وانظر في مناكيره فيما تقدم: الحديث رقم (٤٠٢) الطريق رقم (٢٢) والحسن بن بشر البجلي: متكلم فيه أيضًا [التهذيب (١/ ٣٨٤)]، كما أن في متنه نكارة، والله أعلم.

• فهذا الفعل من أبي بن كعب - رضي الله عنه -، وهو من كبار الصحابة وعلمائهم، وقد فعل هذا بمحضر عمر وكبار المهاجرين والأنصار، ولم ينكر عليه أحد منهم: دليل على أنهم فهموا من أمره - صلى الله عليه وسلم - إياهم أن يليه منهم أولو الأحلام والنهى: أنَّه إذا تأخر أحد من أهل العلم والفضل المشهود لهم بذلك عن الصف الأول خلف الإمام، فوجد فيه من ليس أهلًا له: من صغار السن، أو من جهلة العامة؛ فله أن يؤخره، ويقوم مقامه، لكن برفق ولين، حتَّى لا يوغر صدره، ويتسبب في إيقاد نار العداوة والبغضاء، فهذا أبي بن كعب لما فعل هذا طيَّب خاطر قيس بن عباد، وبيَّن له أن هذا المقام له أهله، حتَّى يزول من نفسه ما كان وجده على أبي، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>