مثل أحمد، وابن معين، والنسائي، ومنهم من توسط فيه: مثل ابن حبان، وابن عدي، وهو أعدل الأقوال جمعًا بين الفريقين، فهو صدوق يهم، كما قال ابن حجر في التقريب، ومما يبين مرتبته وأنه لا يرتقي إلى مرتبة عموم الثقات، فضلًا عن أن يصل إلى مرتبة أئمة الضبط والإتقان: قول الإمام أحمد لما سئل عن حاتم بن أبي صغيرة؟ فقال:"ثقة"، ثم سئل عن أسامة بن زيد الليثي؟ فقال:"هو دونه، وحرك يده" [العلل ومعرفة الرجال (٢/ ٣٦/ ١٤٧٣)، وانظر: التهذيب (١/ ١٠٨)، الميزان (١/ ١٧٤)، إكمال مغلطاي (٢/ ٥٧)، موسوعة أقوال الإمام أحمد (١/ ٧٧)، الجامع في الجرح والتعديل (١/ ٥٨)، التذييل على التهذيب (٣٥)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (٤/ ١٨٧٧)، وقد تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (٣٩٤)]، فكيف يُعَد من الثقات الذين تقبل زياداتهم.
وشيخه: معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني: صدوق، قليل الحديث، لم يتفق على توثيقه، فهو وإن وثقه في الجملة: ابن معين، وأبو داود، وابن حبان، لكن قال فيه الدارقطني:"ليس بذاك"، وجهله ابن حزم [التهذيب (٤/ ١٠٠)].
وهذا الحديث رواه عن جابر: عمرو بن دينار، وأبو الزبير، ومحارب بن دثار، وأبو صالح، فلم يذكروا فيه أن الأنصاري صلى قبل مجيء معاذ، وإنما ذكروا أنه صلى خلف معاذ، فلما رأي معاذًا طوَّل في الصلاة، انصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد، كما أنهم ذكروا في روايتهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أنكر على معاذ تطويله في القراءة، وأرشده إلى القراءة بقصار السور، مثل: الأعلى والضحى والفجر والليل والشمس والطارق والبروج والعلق ونحوها، ولم ينكر عليه تأخره عليهم، كما في هذه الرواية:"ارجع إليهم فصلِّ بهم قبل أن يناموا"، وهاتان القرينتان تدلان على أن أسامة بن زيد لم يحفظ القصة كما رواها الثقات، فإذا كان قد خالف الثقات فيما رووه من القصة، فلا يُقبل منه ما تفرد به فيها من تعيين ذلك الأنصاري الذي أبهموه، وهم الثقات الحفاظ، والله أعلم.
وعليه: فإن رواية أسامة بن زيد الليثي هذه شاذة، لما خالف فيها الثقات، وانفرد فيها بما لم يتابع عليه، والله أعلم.
• هكذا روى هذا الحديث عن جابر: أبو الزبير، ومحارب بن دثار، وأبو صالح، فلم يذكروا فيه أن معاذًا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، وإنما اقتصروا على صلاة معاذ بقومه وقصته مع الرجل الذي فارقه، وهذا مما لا يقدح في رواية عمرو بن دينار لتفرده بذكر صلاة معاذ مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن عمرو بن دينار المكي الجمحي مولاهم: من أعلام علماء التابعين، وقد كان ثقة ثبتًا، قدَّمه بعضهم في حفظه وتثبته وضبطه على قتادة والحكم، وقد أثنى على حفظه وإتقانه جماعة من الأئمة ممن أدركوه ورووا عنه، وكذا من جاء بعدهم، وقد كان عالمًا فقيهًا، وكان مفتي أهل مكة في زمانه، فهو متفق على جلالته وثقته وجودة ضبطه وإتقانه، فمثله يحتمل منه مثل هذا التفرد عن جابر بن عبد الله، ولو انفرد مثله بأحاديث لم يتابع عليها، أو زيادات تفرد بها