للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالطَّلَبِ وَالطَّلَبُ ضَعِيفٌ وَقُوَّتُهُ بِالْمُدَارَسَةِ فَإِذَا قَوِيَ بِالْمُدَارَسَةِ فَهُوَ مُحْتَجِبٌ وَإِظْهَارُهُ بِالْمُنَاظَرَةِ وَإِذَا ظَهَرَ بِالْمُنَاظَرَةِ فَهُوَ عَقِيمٌ وَنِتَاجُهُ بِالْعَمَلِ فَإِذَا زُوِّجَ الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ تَوَالَدَ وَتَنَاسَلَ مُلْكًا أَبَدِيًّا لَا آخر له «و» [رئاسة النملة على غيرها في قصة سليمان لَمْ تَكُنْ إِلَّا بِسَبَبِ أَنَّهَا عَلِمَتْ مَسْأَلَةً واحدة] قالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ [النَّمْلِ: ١٨] إِلَى قَوْلِهِ: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ كانت رئاسة تِلْكَ النَّمْلَةِ عَلَى غَيْرِهَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا بِسَبَبِ أَنَّهَا عَلِمَتْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ كَأَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ سُلَيْمَانَ مَعْصُومٌ وَالْمَعْصُومُ لَا يَجُوزُ مِنْهُ إِيذَاءُ الْبَرِيءِ عَنِ الْجُرْمِ وَلَكِنَّهُ لَوْ حَطَّمَكُمْ فَإِنَّمَا يَصْدُرُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَالَكُمْ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ إِشَارَةٌ إِلَى تَنْزِيهِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَتِلْكَ النَّمْلَةُ لَمَّا عَلِمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْوَاحِدَةَ اسْتَحَقَّتِ الرِّيَاسَةَ التَّامَّةَ فَمَنْ عَلِمَ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ كَيْفَ لَا يَسْتَوْجِبُ الرِّيَاسَةَ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ «ز» الْكَلْبُ إِذَا تَعَلَّمَ وَأَرْسَلَهُ الْمَالِكُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى صَارَ صَيْدُهُ النَّجِسُ طَاهِرًا وَالنُّكْتَةُ أَنَّ/ الْعِلْمَ هُنَاكَ انْضَمَّ إِلَى الْكَلْبِ فَصَارَ النَّجِسُ بِبَرَكَةِ الْعِلْمِ طَاهِرًا، فَهَهُنَا النَّفْسُ وَالرُّوحُ طَاهِرَتَانِ فِي أَصْلِ الْفِطْرَةِ إِلَّا أَنَّهُمَا تَلَوَّثَتَا بِأَقْذَارِ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ انْضَمَّ إِلَيْهِمَا الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَبِصِفَاتِهِ فَنَرْجُو مِنْ عَمِيمِ لُطْفِهِ أَنْ يَقْلِبَ النَّجِسَ طاهراً هاهنا وَالْمَرْدُودَ مَقْبُولًا «ح» الْقَلْبُ رَئِيسُ الْأَعْضَاءِ ثُمَّ تِلْكَ الرِّيَاسَةُ لَيْسَتْ لِلْقُوَّةِ فَإِنَّ الْعَظْمَ أَقْوَى مِنْهُ وَلَا لِلْعِظَمِ فَإِنَّ الْفَخِذَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَلَا لِلْحِدَّةِ فَإِنَّ الظُّفْرَ أَحَدُّ مِنْهُ وَإِنَّمَا تِلْكَ الرِّيَاسَةُ بِسَبَبِ الْعِلْمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ أَشْرَفُ الصِّفَاتِ.

أَمَّا الْحِكَايَاتُ: «أ» حُكِيَ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ كَانَ مَعَهُ فُقَهَاءُ وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو يُوسُفَ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَادَّعَى عَلَيْهِ آخَرُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ بَيْتِهِ مَالًا بِاللَّيْلِ فَأَقَرَّ الْآخِذُ بِذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ. فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، قَالُوا لِمَ؟ قَالَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَالْأَخْذُ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالسَّرِقَةِ فَصَدَّقَهُ الْكُلُّ فِي قَوْلِهِ، ثُمَّ قَالُوا لِلْآخِذِ أَسَرَقْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَطْعَ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ لَكِنْ بَعْدَ مَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْأَخْذِ فَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُسْمَعُ إِقْرَارُهُ فَتَعَجَّبَ الْكُلُّ مِنْ ذَلِكَ «ب» عَنِ الشَّعْبِيِّ كُنْتُ عِنْدَ الْحَجَّاجِ فَأُتِيَ بِيَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ فَقِيهِ خُرَاسَانَ مَعَ بَلْخٍ مُكَبَّلًا بِالْحَدِيدِ فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ أَنْتَ زَعَمْتَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَلَى فَقَالَ: الْحَجَّاجُ لَتَأْتِيَنِّي بِهَا وَاضِحَةً بَيِّنَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ لَأُقَطِّعَنَّكَ عُضْوًا عُضْوًا فَقَالَ آتِيكَ بِهَا وَاضِحَةً بَيِّنَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يَا حَجَّاجُ قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ مِنْ جُرْأَتِهِ بِقَوْلِهِ يَا حَجَّاجُ فَقَالَ لَهُ وَلَا تَأْتِنِي بِهَذِهِ الْآيَةِ نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ [آلِ عِمْرَانَ: ٦١] فَقَالَ: آتِيكَ بِهَا وَاضِحَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ [الْأَنْعَامِ: ٨٤] إِلَى قَوْلِهِ: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى فمن كان أبو عِيسَى وَقَدْ أُلْحِقَ بِذُرِّيَّةِ نُوحٍ؟ قَالَ: فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: كَأَنِّي لَمْ أَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ حُلُّوا وَثَاقَهُ وَأَعْطُوهُ مِنَ الْمَالِ كَذَا «ج» يُحْكَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جَاءُوا إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ لِيُنَاظِرُوهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَيُبَكِّتُوهُ وَيُشَنِّعُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: لَا يُمْكِنُنِي مُنَاظَرَةُ الْجَمِيعِ فَفَوِّضُوا أَمْرَ الْمُنَاظَرَةِ إِلَى أَعْلَمِكُمْ لِأُنَاظِرَهُ فَأَشَارُوا إِلَى وَاحِدٍ فَقَالَ: هَذَا أَعْلَمُكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: وَالْمُنَاظَرَةُ مَعَهُ كَالْمُنَاظَرَةِ مَعَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: وَالْإِلْزَامُ عَلَيْهِ كَالْإِلْزَامِ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: وَإِنْ نَاظَرْتُهُ وَأَلْزَمْتُهُ الْحُجَّةَ فَقَدْ لَزِمَتْكُمُ الْحُجَّةُ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: كَيْفَ؟ قَالُوا: لِأَنَّا رَضِينَا بِهِ إِمَامًا فَكَانَ قَوْلُهُ قَوْلًا لَنَا قَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ فَنَحْنُ لَمَّا اخْتَرْنَا الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَنَا وَهُوَ يَنُوبُ عَنَّا فَأَقَرُّوا لَهُ بِالْإِلْزَامِ