للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَائِعَاتِ وَفِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ، فَيَبْقَى حُجَّةً فِي الْبَاقِي. وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّه: ثُمَّ تَأَيَّدَ التَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ

بِقَوْلِهِ/ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ أَوْ لَوْنَهُ»

وَلَا يُعَارَضُ هَذَا

بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا»

لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْمَنْطُوقَ أَوْلَى مِنَ الْمَفْهُومِ.

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِفَضْلِ مَاءِ الْجُنُبِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لَا يَجُوزُ بِفَضْلِ مَاءِ الْمَرْأَةِ إِذَا خَلَتْ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَوَاجِدُ هَذَا الْمَاءِ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَسْآرُ السِّبَاعِ طَاهِرَةٌ مُطَهِّرَةٌ، وَكَذَا سُؤْرُ الْحِمَارِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه: نَجِسَةٌ.

لَنَا أَنَّ وَاجِدَ هَذَا السُّؤْرِ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَاغْسِلُوا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: الْمَاءُ إِذَا بَلَغَ قلتين ووقعت فيه نجاسة غير مُغَيِّرَةٌ بَقِيَ طَاهِرًا طَهُورًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه يَنْجَسُ. لَنَا أَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَلِأَنَّهُ أُمِرَ بِالْغَسْلِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَخَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: الْمَاءُ الَّذِي تَفَتَّتَتِ الْأَوْرَاقُ فِيهِ، لِلنَّاسِ فِيهِ تَفَاصِيلُ، لَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا مُطَهِّرًا مَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا بَقِيَ اسْمُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ كَانَ طَاهِرًا طَهُورًا.

النَّوْعُ الثَّانِي: مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ مَسَائِلِ التَّيَمُّمِ.

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ رَحِمَهُمُ اللَّه: لَا بُدَّ فِي التَّيَمُّمِ مِنَ النِّيَّةِ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّه لَا يَجِبُ. لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَيَمَّمُوا وَالتَّيَمُّمُ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَصْدِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ تَيَمُّمُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ،

وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى الرُّسْغَيْنِ،

وَعَنْ مَالِكٍ إِلَى الْكُوعَيْنِ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَى الْآبَاطِ.

لَنَا: الْيَدُ اسْمٌ لِهَذَا الْعُضْوِ إِلَى الْإِبِطِ فَقَوْلُهُ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ يَقْتَضِي الْمَسْحَ إِلَى الْإِبِطَيْنِ، تَرَكْنَا الْعَمَلَ بِهَذَا النَّصِّ فِي الْعَضُدَيْنِ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ. وَمَبْنَاهُ عَلَى التَّخْفِيفِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَاجِبَ تَطْهِيرُ أَعْضَاءٍ أَرْبَعَةٍ فِي الْوُضُوءِ، وَفِي التَّيَمُّمِ الْوَاجِبُ تَطْهِيرُ عُضْوَيْنِ وَتَأَكَّدَ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ فَإِذَا كَانَ الْعَضُدَانِ/ غَيْرَ مُعْتَبَرَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فَبِأَنْ لَا يَكُونَا مُعْتَبَرَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ أَوْلَى، وَإِذَا خَرَجَ الْعَضُدَانِ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ بِهَذَا الدَّلِيلِ بَقِيَ الْيَدَانِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ فِيهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا تَرَكَ تَقْيِيدَ التَّيَمُّمِ فِي الْيَدَيْنِ بِالْمِرْفَقَيْنِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ، فَتَقْيِيدُهُ بِهِمَا فِي الْوُضُوءِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ هَذَا التَّقْيِيدِ فِي التَّيَمُّمِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْعُضْوَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ. وَنَقَلَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِذَا يَمَّمَ الْأَكْثَرَ جَازَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>