للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويسلمون غاضين عيون بصائرهم وأبصارهم عن الالتفات الى ما سوى الحق مطلقا لذلك ما يرون بنوره من مرايا مظاهره ومجاليه الا لمعات وجهه الكريم

وَبالجملة هم الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وهي الآثام والجرائم المؤدية الى الشرك الجلى والخفى وَالْفَواحِشَ اى الصغائر المنتهية الى الكبائر بالرسوخ والإصرار وَايضا من جملة اخلاق هؤلاء المؤمنين المحسنين انهم إِذا ما غَضِبُوا من مكروه هُمْ يَغْفِرُونَ ويبادرون الى العفو والستر وكظم الغيظ وإصلاح ذات البين وإخراج الغل والحقد عن نفوسهم

وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا اى أجابوا واقبلوا دعوة من دعاهم الى الطاعات والعبادات ومطلق الخيرات والحسنات لا لغرض دنيوى بل لِرَبِّهِمْ طلبا لمرضاته وهربا عن مساخطه وانتقاماته وَمع ذلك أَقامُوا الصَّلاةَ اى اداموا الميل والرجوع الى الله في جميع حالاتهم وَأَمْرُهُمْ اى عموم أمورهم المتعلقة لمعاشهم ومعادهم شُورى بَيْنَهُمْ اى هم متشاورون فيها مع إخوانهم بلا استبداد لهم فيها برأيهم ولا انفراد بعقلهم وَمن معظم أخلاقهم انهم مِمَّا رَزَقْناهُمْ وأبحنا لهم وأضفنا لهم من الرزق الصوري يُنْفِقُونَ في سبيلنا للفقراء والمساكين طالبين منا مرضاتنا ومثوباتنا

وَمن جملة أخلاقهم وأجلها انهم هم الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ ولإخوانهم الْبَغْيُ والعدوان من باغ ظالم وعدو عاد هُمْ يَنْتَصِرُونَ يبادرون الى الغلبة والانتصار غيرة على دين الله وحمية لحمى حدوده الموضوعة على مقتضى العدالة القويمة الإلهية عن طريان الظلم والعدوان وإظهارا لما أودع في صدورهم من فضله من خصلة الشجاعة المحمودة عند الله وعند عموم ارباب المروات من الأنبياء والأولياء إذ كلا طرفيها وهما الجبن والتهور مذمومان عقلا وشرعا والشجاعة المقتصدة بينهما محمودة جدا. ثم قال سبحانه تعليما لعباده طريق هدايته وإرشاده

وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ قد اصابتك من احد من بنى نوعك سَيِّئَةٌ مِثْلُها لا أزيد منها اى إذا أساءك احد بسيئة فأنت ايها المكلف تسيئه بمثلها جزاء وعقوبة سمى الجزاء سيئة للازدواج والمشاكلة هذا بحسب الرخصة الشرعية واما بحسب العزيمة فَمَنْ عَفا وتجاوز عن المسيء والجاني خالصا لوجه الله وطلبا لمرضاته وَأَصْلَحَ بالصلح والإحسان ما أفسده بالجناية والإساءة فَأَجْرُهُ قد وقع عَلَى اللَّهِ وجزاؤه مفوض الى كرمه يجازيه بمقتضى فضله وجوده ما شاء الله وبالجملة إِنَّهُ سبحانه حسب عدالته الذاتية لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ المتجاوزين عن الحدود الإلهية سيما في العقوبات والجنايات

وَلَمَنِ انْتَصَرَ وغلب على الظالمين بَعْدَ ظُلْمِهِ اى بعد ما ظلم منه منتقما عليه فَأُولئِكَ المنتصرون المنتقمون ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ بالمعاتبة والمعاقبة لأنهم منتقمون بالرخصة الشرعية بل

إِنَّمَا السَّبِيلُ بهما عَلَى المسرفين الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ اى يبتدئون بالظلم ويظهرون بينهم بالعدوان والطغيان وَيَبْغُونَ ويطلبون بظلمهم وطغيانهم فسادا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ بلا رخصة شرعية أُولئِكَ البعداء المتجاوزون عن الحدود الشرعية لَهُمْ في النشأة الاخرى عَذابٌ أَلِيمٌ هو إحراقهم بنار القطيعة لا عذاب أشد منه وأفزع

وَلَمَنْ صَبَرَ من المظلومين ولم ينتصر من الظالم ولم ينتقم منه كظما وهضما وَغَفَرَ اى عفا عنه وتجاوز مسترجعا الى الله طالبا الأجر منه سبحانه إِنَّ ذلِكَ العفو والصفح عند القدرة والرخصة لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ اى من الأمور التي آثرها أولوا العزائم الصحيحة من ارباب العناية ألا وهم الذين يرون من الله جميع ما يرون منحا ومحنا وفرحا وترحا ويوطنون نفوسهم على التسليم والرضاء بعموم ما جرى عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>