وما تترقبون وتنتظرون أنتم بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ اى الا احدى العاقبتين الحميدتين اللتين كل منهما محض خير لنا ومنحة عظيمة وعطية كريمة كثيرة بالنسبة إلينا من ربنا وهما النصرة على الأعداء والشهادة في سبيل الله بيد أعدائه إذ قد وعدنا الله ايضا من فضله بأحدهما وَنَحْنُ ايضا نَتَرَبَّصُ بِكُمْ بمقتضى وحى الله والهامه أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ المنتقم الغيور بِعَذابٍ نازل مِنْ عِنْدِهِ سبحانه بلا صنع منا ودخل من قبلنا من كسف او خسف او زلزلة او طاعون او غيرها أَوْ بِأَيْدِينا اى بعذاب صادر منا واقع عليكم من القتل والأسر والاجلاء والإذلال وبالجملة فَتَرَبَّصُوا وانتظروا لما وعد لنا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ منتظرون لما اوعدتم به حتى ننظر نحن وأنتم كيف يجرى حكم الله وامره بنا وبكم
قُلْ يا أكمل الرسل للمنافقين المتخلفين الذين يريدون اعانتك بالمال بدل الخروج الى الجهاد لن ينفعكم اليوم انفاقكم عند الله سواء أَنْفِقُوا طَوْعاً طائعين فيه أَوْ كَرْهاً كارهين له لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إذ الانفاق انما يقبل عنده سبحانه من المؤمنين الموقنين المصلحين المخلصين إِنَّكُمْ بسبب كفركم ونفاقكم مع الله ورسوله قد كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ خارجين عن الحدود الإلهية مطلقا لا يقبل منكم الصدقات مطلقا لعدم مقارنتها بالإيمان والتوحيد
وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ اى ليس عدم قبول نفقاتهم وصدقاتهم عند الله إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ المتوحد بذاته وأشركوا له ما هو من مصنوعاته وَبِرَسُولِهِ بتكذيبه وعدم أطاعته وانقياده وَعلامة كفرهم ونفاقهم انهم لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ الفارقة بين الكفر والايمان إِلَّا يأتونها مداهنة وَهُمْ في إتيانها كُسالى مبطؤن مؤخرون عن أوقاتها بلا انبعاث قلبي وداعية شوقية وَايضا لا يُنْفِقُونَ عموم ما ينفقون إِلَّا وَهُمْ في إنفاقه كارِهُونَ كراهة قلبية إذ لا يعتقدون ترتب الثواب عليه لعدم ايمانهم بيوم الجزاء ودار الثواب والعقاب وبعد ما قد تحقق كفرهم ونفاقهم
فَلا تُعْجِبْكَ يا أكمل الرسل أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ اى كثرتها وتفاخرهم بها إذ هي من الأسباب الجالبة لانواع العذاب والنكال عليهم وبالجملة إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ المنتقم الغيور لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بجمعها وحفظها ونمائها وارتكاب الشدائد والمحن في تحصيلها وَمن كثرة محبتهم لها وحرصهم عليها تَزْهَقَ وتزول أَنْفُسُهُمْ وقت حلول الأجل عليهم وَهُمْ كافِرُونَ محجوبون عن توحيد الله والايمان به مائلون محرومون عنهما
وَمن جملة نفاقهم انهم يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ بالحلف الكاذب إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ اى من جملتكم وزمرتكم نفرح بفرحكم ونسر بسروركم ونتغمم بحزنكم ومصيبتكم وَالحال انه ما هُمْ مِنْكُمْ لشركهم وكفرهم المركوز في جبلتهم وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ يخافون ان تفعلوا أنتم بهم فعلكم مع المشركين فاضطروا الى المداهنة والنفاق فأظهروا الإسلام حفظا لدمائهم وأموالهم وهم مضطرون على اظهار الايمان ومن غاية تذللهم واضطرارهم
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً منيعا من الحصون والقلاع أَوْ مَغاراتٍ في شعاب الجبال أَوْ مُدَّخَلًا جحرا يمكنهم الانجحار والاستتار فيه لَوَلَّوْا وانصرفوا البتة إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ويسرعون في الانصراف والانجحار اليه كالفرس الجموح
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ يعيبك ويغمزك فِي الصَّدَقاتِ اى في قسمة الغنائم ويتردد حولك حين القسمة طامعا فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها سهما او شيأ يعتد به رَضُوا منك واثنوا عليك شكرا لاعطائك وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها لعدم استحقاقهم وبسبب تخلفهم ونفاقهم إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ