مالنا الا التبليغ والإنذار بمقتضى الوحى والإلهام الإلهي بلا تحريف منا وتبديل. واما امر التنزيل والإنزال من قبل الحق وكذا امر القبول منكم فمفوض الى القادر الحكيم موكول اليه سبحانه مترتب على توفيقه واقداره ثم قال سبحانه توبيخا على المقترحين وتقريعا لهم
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ولم يغنهم من جميع الآيات التي اقترحوا عنك يا أكمل الرسل أَنَّا قد أَنْزَلْنا عَلَيْكَ من مقام لطفنا وجودنا الْكِتابَ الجامع لما في الكتب السالفة المحتوى على احوال النشأتين على الوجه الأبلغ الأتم مع انه لا يغيب عنهم بل يُتْلى عَلَيْهِمْ ويقرأ عندهم دائما ويدوم بينهم ابدا بخلاف سائر الآيات فإنها كما ظهرت غابت هي وأثرها ايضا وهو واثره حاضر عندهم غير مغيب عنهم وبالجملة إِنَّ فِي ذلِكَ الكتاب الذي هو في نفسه مشتمل على آيات عظام كثيرة الفوائد دائمة العوائد غير منقطعة آثارها عن من تمسك بها واستهدى بها لَرَحْمَةً اى نعمة عامة نازلة من قبل الحق وَذِكْرى اى عظة وتذكيرا شاملا لعموم عباده ملقاة من عنده سبحانه لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بتوحيده سبحانه وبكمالات أسمائه وصفاته ويصدقون المبدأ والمعاد والعرض والجزاء والفوز بشرف اللقاء وجميع ما وعد لهم الحق في النشأة الاخرى. ثم لما اتى قوم من ضعفاء المسلمين الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكتف قد رقم فيها بعض اراجيف اليهود وأقاويلهم الكاذبة متبركين بها متيمنين لما فيها فقال صلّى الله عليه وسلّم مبغضا عليهم كفى بضلال قوم ان يرغبوا عما جاء به نبيهم من قبل ربهم الى ما جاء به غير نبيهم وصدقوا ما جاء به غير نبيهم مع انه كذب مفترى وكذبوا ما جاء به النبي مع انه صدق كلمه مطابق للواقع فنزلت حينئذ تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم
قُلْ يا أكمل الرسل للمكذبين لك وبما جئت به مصدقين لأعدائك وبما جاءوا به كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ايها المكابرون شَهِيداً حاضرا معى ومعكم مطلعا على حالي وحالكم وما جرى في ضميري وضمائركم إذ هو سبحانه يَعْلَمُ بعلمه الحضوري جميع ما ظهر فِي السَّماواتِ وَكذا ما ظهر الْأَرْضِ وكذا ما ظهر بينهما وبطن فيهما فيجازى كلامنا ومنكم بمقتضى علمه بنا وبكم وَكيف لا يجازى القادر المقتدر على انتقام عصاة عباده سيما الَّذِينَ آمَنُوا واطاعوا بِالْباطِلِ الذي هو بمراحل عن الحق والصدق وَكَفَرُوا بِاللَّهِ الحق الحقيق بالحقية المستوي على منهج الصدق والصواب بالعدالة دائما واعرضوا عن أطاعته وانقياده عنادا ومكابرة وبالجملة أُولئِكَ البعداء المطرودون عن ساحة عز الحضور والأشقياء المحرومون عن سعة رحمة الملك الرحيم الغفور هُمُ الْخاسِرُونَ المقصورون على الخسران والخذلان لا يرجى ربحهم وتفريجهم منه أصلا
وَمن غاية غيهم وضلالهم وانهماكهم في بحر الغفلة والغرور يَسْتَعْجِلُونَكَ تهكما واستهزاء بك بِالْعَذابِ الذي قد أنذرتهم به بوحي منا إليك بنزوله إياهم وحلوله عليهم وما ذلك الا من كمال انكارهم وتكذيبهم إياه وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى ووقت معين موعود مثبت في لوح قضائنا لَجاءَهُمُ الْعَذابُ اليوم فجاءة عاجلا لاستحقاقهم بنزوله وحلوله الا انه موقت موعود بمقتضى سنتنا القديمة المستمرة من ترهين الأمور على الأوقات المعينة المثبتة في لوح القضاء وحضرة العلم حسب الحكمة المتقنة قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا لا تغتروا بامهالنا إياكم زمانا وَالله لَيَأْتِيَنَّهُمْ ولينزلن عليهم العذاب الموعود بَغْتَةً اى دفعة وفجاءة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ولا يطلعون بنزوله وامارات إتيانه وحلوله ومن غاية عمههم وسكرتهم ونهاية انهماكهم في اسباب العذاب