الزائغة فِي توحيد اللَّهِ سيما مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ اى قبله العقل والنقل والكشف الصريح والذوق الصحيح حُجَّتُهُمْ اى عموم حججهم وتمسكاتهم التي قد تمسكوا بها على وجه العناد والمكابرة كلها داحِضَةٌ زائلة باطلة عِنْدَ رَبِّهِمْ الذي رباهم لمصلحة المعرفة والتوحيد وَعَلَيْهِمْ بسبب عنادهم وجدالهم بالحق الصريح غَضَبٌ نازل من الله وَلَهُمْ في النشأة الاخرى عَذابٌ شَدِيدٌ لا عذاب أشد منه وأفزع وأفظع وبالجملة كيف يحاجون ويكابرون المعاندون في توحيده سبحانه مع انه هو
اللَّهُ المدبر المصلح لأمور عباده الَّذِي أَنْزَلَ لإصلاحهم وإرشادهم الْكِتابَ اى جنس الكتاب النازل من عنده لتبيين مناهيج توحيده كلها ملتبسة بِالْحَقِّ الصريح المعرى عن الباطل الزاهق الزائل مطلقا وَانزل ايضا على طبق الكتاب موافقا له الْمِيزانَ اى جنس الاحكام والشرائع والأديان التي توزن بها اعمال الأنام وإخلاصهم فيها وثباتهم بها على جادة التوحيد ومنهج الإسلام فعليك يا أكمل الرسل وعلى من تبعك في عموم الأحوال والأوقات وجميع الحالات والمقامات امتثال عموم ما امر ونهى من احكام كتابك وان تزن أنت ومن معك أعمالكم وأخلاقكم وأحوالكم واطواركم كلها بميزان الشرع القويم والدين المستقيم وَبالجملة ما يُدْرِيكَ وما يعلمك ايها المجبول على فطرة الدراية والشعور لَعَلَّ السَّاعَةَ الموعودة التي قد تعذر دونها التدارك والتلافي قَرِيبٌ إتيانها وقيامها وعند قيامها تتندمون وما ينفعكم الندم حينئذ وان كان
يَسْتَعْجِلُ بِهَا وبقيامها استهزاء ومراء المنكرون الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ولا يصدقون بِهَا عنادا ومكابرة ويزعمون انه لا يلحقهم ما يوعدون فيها من العذاب الروحاني والجسماني وَالمؤمنون الَّذِينَ آمَنُوا بها وبعموم ما فيها من المواعيد والوعيدات الهائلة هم مُشْفِقُونَ خائفون مِنْها ومن إلمامها بغتة قبل تهيئة الزاد والاعداد وَذلك انهم يَعْلَمُونَ يقينا أَنَّهَا الْحَقُّ المحقق إتيانها وقيامها بلا مرية وريب أَلا تنبهوا ايها المؤمنون بكمال قدرة الله ووفور حكمته إِنَّ المسرفين الَّذِينَ يُمارُونَ ويشكون فِي قيام السَّاعَةِ الموعود إتيانها من قبل الحق مراء ومجادلة لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ بمراحل عن الهداية الموصلة الى مقر التوحيد إذ هم محجوبون بالأغشية الكثيفة الامكانية والاغطية الغليظة الهيولانية عن سريان الهوية الإلهية في عموم الهويات الغيبية والشهادية عن تجلياتها اللطفية والقهرية والجمالية والجلالية على مطلق المظاهر والمجالى حضورا وشهودا مع انه
اللَّهُ المنزه ذاته عن سمة الحدوث والإمكان المقدس أسماؤه وصفاته عن وصمة العيب والنقصان لَطِيفٌ بِعِبادِهِ الخلص من رق الأكوان بحيث يصير سمعهم وبصرهم وعموم قواهم وآلاتهم الى حيث أفناهم في ذاته وأبقاهم ببقائه يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ منهم بالرزق المعنوي الموصل الى مبدئهم ومعادهم ترحما عليهم وتلطفا معهم وَكيف لا إذ هُوَ الْقَوِيُّ القادر القدير المقتدر على عموم مقدوراته الصادرة منه بمقتضى حكمته الْعَزِيزُ الغالب على مطلق مراداته الجارية منه حسب اختياره. ثم لما أشار سبحانه الى كمال تنزهه وتقدس ذاته عن وصمة النقصان مطلقا والى كمال ترحمه وتلطفه مع خلص عباده قال
مَنْ كانَ منهم يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ اى يزرع في النشأة الاولى بذور الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة ليحصد ما يترتب عليها من المثوبات والكرامات في النشأة الاخرى نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ونضاعف ثوابها لأجله ونعطه من اللذات الروحانية ما لا مزيد عليه تفضلا منا عليه وتكريما له وَمَنْ كانَ