ذِكْرُ هَزِيمَةِ الْفِرِنْجِ وَفَتْحِ حَارِمَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَتَحَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي قَلْعَةَ حَارِمَ مِنَ الْفِرِنْجِ ; وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نُورَ الدِّينِ لَمَّا عَادَ مُنْهَزِمًا مِنَ الْبُقَيْعَةِ، تَحْتَ حِصْنِ الْأَكْرَادِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، فَرَّقَ الْأَمْوَالَ وَالسِّلَاحَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآلَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَعَادَ الْعَسْكَرُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يُصَابُوا وَأَخَذُوا فِي الِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ وَالْأَخْذِ بِثَأْرِهِ.
وَاتَّفَقَ مَسِيرُ بَعْضِ الْفِرِنْجِ مَعَ مَلِكِهِمْ إِلَى مِصْرَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْصِدَ بِلَادَهُمْ لِيَعُودُوا عَنْ مِصْرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ قُطْبِ الدِّينِ مَوْدُودٍ، صَاحِبِ الْمَوْصِلِ وَدِيَارِ الْجَزِيرَةِ، وَإِلَى فَخْرِ الدِّينِ قُرَا أَرْسِلَان، صَاحِبِ حِصْنِ كَيْفَا، وَإِلَى نَجْمِ الدِّينِ أَلْبِي، صَاحِبِ مَارِدِينَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ يَسْتَنْجِدُهُمْ، فَأَمَّا قُطْبُ الدِّينِ فَإِنَّهُ جَمَعَ عَسْكَرَهُ وَسَارَ مُجِدًّا، وَفِي مُقَدِّمَتِهِ زَيْنُ الدِّينِ عَلِيٌّ أَمِيرُ جَيْشِهِ، وَأَمَّا فَخْرُ الدِّينِ، صَاحِبُ الْحِصْنِ، فَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ نُدَمَاؤُهُ وَخَوَاصُّهُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ عَزَمْتَ؟ فَقَالَ: عَلَى الْقُعُودِ، فَإِنَّ نُورَ الدِّينِ قَدْ تَحَشَّفَ مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَهُوَ يُلْقِي نَفْسَهُ وَالنَّاسَ مَعَهُ فِي الْمَهَالِكِ، فَكُلُّهُمْ وَافَقَهُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَمَرَ بِالتَّجَهُّزِ لِلْغُزَاةِ، فَقَالَ لَهُ أُولَئِكَ: مَا عَدَا مِمَّا بَدَا؟ فَارَقْنَاكَ أَمْسِ عَلَى حَالَةٍ، فَنَرَى الْيَوْمَ ضِدَّهَا؟ فَقَالَ: إِنَّ نُورَ الدِّينِ قَدْ سَلَكَ مَعِي طَرِيقًا إِنْ لَمْ أُنْجِدْهُ خَرَجَ أَهْلُ بِلَادِي عَنْ طَاعَتِي، وَأَخْرَجُوا الْبِلَادَ عَنْ يَدِي، فَإِنَّهُ قَدْ كَاتَبَ زُهَّادَهَا وَعُبَّادَهَا وَالْمُنْقَطِعِينَ عَنِ الدُّنْيَا، يَذْكُرُ لَهُمْ مَا لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَمَا نَالَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، وَيَسْتَمِدُّ مِنْهُمُ الدُّعَاءَ، وَيَطْلُبُ أَنْ يَحُثُّوا الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْغَزَاةِ، فَقَدْ قَعَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ، وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَأَتْبَاعُهُ، وَهُمْ يَقْرَؤُوَنَ كُتُبَ نُورِ الدِّينِ، وَيَبْكُونَ وَيَلْعَنُونَنِي، وَيَدْعُونَ عَلَيَّ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْمَسِيرِ إِلَيْهِ، ثُمَّ تَجَهَّزَ وَسَارَ بِنَفْسِهِ.
وَأَمَّا نَجْمُ الدِّينِ فَإِنَّهُ سَيَّرَ عَسْكَرًا، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ سَارَ نَحْوَ حَارِمَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute